شهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية إدراکا متزايدا بأن نموذج التنمية الحالي (نموذج الحداثة) لم يعد مستداما، بعد أن ارتبط نمط الحياة الاستهلاکي المنبثق عنه بأزمات بيئية خطيرة مثل فقدان التنوع البيئي، وتقلص مساحات الغابات المدارية، وتلوث الماء والهواء، وارتفاع درجة حرارة الأرض(الدفء الکوني)، والفيضانات المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والأنهار، واستنفاد الموارد غير المتجددة، مما دفع بعدد من منتقدي ذلک النموذج التنموي إلى الدعوة إلى نموذج تنموي بديل مستدام يعمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة وحماية البيئة واستدامتها من جهة أخرى. وفي هذا السياق نجد أن البشرية تواجه في الوقت الحاضر مشکلتين حادتين، تتمثل الأولى في أن کثيرا من الموارد التي نعتبر وجودها الآن من المسلمات معرضة للنفاد في المستقبل القريب، أما الثانية فتتعلق بالتلوث المتزايد الذي تعاني منه بيئتنا في الوقت الحاضر والناتج عن الکم الکبير من الفضلات الضارة التي ننتجها. ونتيجة لذلک فقد أسهمت الضغوط المشترکة لکل من ازدياد الوعي بالندرة القادمة وتفاقم مشکلة السّمية في العالم إلى بروز مسألة الحفاظ على البيئة واستدامتها کموضوع مهم سواء في مجال الفکر أو السياسة.
والتنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. کما أن التنمية المستدامة هي الاستعمال المثالي الفعال لجميع المصادر البيئية ، الحياة الاجتماعية والاقتصاد للمستقبل البعيد مع الترکيز على حياة أفضل ذات قيمة عالية لکل فرد من أفراد المجتمع في الحاضر والمستقبل.
وتتناول التنمية المستدامة والمتکاملة ثلاث جوانب رئيسية مع ما يتفرع عنها من مؤشرات فرعية وهذه الجوانب هي الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي والجانب الإنساني، والتي يجب أن تتفاعل وتتشابک مع بعضها من أجل الوصول إلى الهدف المنشود وهو تحقيق الرفاهية للإنسان في جميع متطلبات الحياة ما أمکن.
وتکمن المبادئ الرئيسية للتنمية المستدامة التي تکوِّن المقومات السياسية والاجتماعية والأخلاقية لإرسائها وتأمين فعاليتها هي کالتالي:
الإنصاف: أي حصول کل إنسان على حصة عادلة من ثروات المجتمع وطاقاته.
التمکين: أي إعطاء أفراد المجتمع إمکانية المشارکة الفعالة في صنع القرارات أو التأثير عليها.
حسن الإدارة والمساءلة: أي خضوع أهل الحکم والإدارة إلى مبادئ الشفافية والحوار والرقابة والمسئولية.
التضامن: بين الأجيال وبين کل الفئات الاجتماعية داخل المجتمع وبين المجتمعات الأخرى.
ويرکز هذا البحث على مراجعة قياس والتقرير عن التنمية المستدامة (ASD) وفائدتها في عملية اتخاذ القرارات في المشروعات الاقتصادية. ومن أجل تقييم المحاسبة عن التنمية المستدامة بصورة صحيحة في المشروعات الاقتصادية، وتقييم المحاسبة عن التنمية المستدامة بصورة صحيحة لا بد أولاً من إيجاد صيغة مفاهيمية ترتکز على التنمية المستدامة.