يعتبر الوقف نظام قديم عرفته جميع الشرائع السماوية وان لم يکن على اسمه المعروف الآن فالمعابد فى ذلک الوقت کانت قائمة , وما رصد عليها من عقار لينفق من غلاته على القائمين على هذه المعابد کان قائما ثابتا , فعرف الوقف فى الحضارات المختلفة فى الحضارة البابلية والحضارة الفرعونية والحضارة الرومانية حيث وجد رسومات على جدران المعابد والمقابر والالهه ما يشير الى ذلک وان کانت باختلاف فى بعض الأنظمة ولا يمکن تصور هذا الا على معنى الوقف ( محاضرات فى الوقف للامام محمد ابو زهرة ص 7 - 8) کما أن له الدور الکبير في تحقيق التعاون والتکافل الاجتماعي داخل المجتمع الاسلامى حيث دعا الإسلام إلى الاعتصام والتکافل والتعاون بين أفراد المجتمع على کل برٍّ وتقوى: فقال جل وعلا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة 2] وعندما نبحث عن أهمية الوقف نجدها متجلية في موقعه من منظومة العمل التنموي اجتماعيا واقتصاديا وذلک لکونه يوفر نماذج فاعلة من صيغ التأمين الاجتماعي کما في الوقف الذري مثلا، فالادخار الوقفي للأفراد الذين يرغبون في تأمين ذريتهم من بعدهم يحقق أحسن أنواع التأمين على الحياة لصالح الذرية، وهي وثيقة تأمين ليس لجيل واحد بل للأجيال المتعاقبة، ولا يمکن . لأحد أن يتصرف فيها أو يصفيها طالما وجدت الذرية التي تستحق ريعها (السيد سابق ,ج 2، ص116) کذلک تعتبر التنمية من أهم القواعد الأساسية التي تسعى إليها جميع الدول في العالم لإحداث تغييرات جذرية و في شتى المجالات التنموية التي تشکل مجموعة من الروابط بين مجموعة من العوامل : الاقتصادية ، السياسية ، الإدارية ،........الخ للنهوض بالقطاعات الإنتاجية نحو الأفضل و تحسين حياة الإنسان ، و تسعى هذه الدول إلى التنمية عن طريق خطط و برامج و إمکانيات ضخمة تختلف حسب قدرة کل دولة ، فالتحسين من مستويات المعيشة الذي تلعبه التنمية قد يضيع بسبب التکاليف التي قد يفرضها التردي البيئي على الصحة و نوعية الحياة ، فمن المعقول اعتبار التنمية إحدى الوسائل الارتقاء بالمجتمع حتى يتحقق له العيش في بيئة تتفق مع حقوقه و کرامته الإنسانية .(رياض ،2017 ، ص 1) وحيث أن التنمية المستدامة نمط تنموي شامل تتکامل فيه الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية والبيئية بهدف تحقيق النوعية في مستوى المعيشة للأفراد في الحاضر وللأجيال في المستقبل، بيد أن الهدف الأساسي لعملية التنمية المستدامة هي القضاء على ظاهرة الفقر المستفحلة، وذلک لن يتم إلا بإيجاد بدائل تمويلية متجددة، بعدما إتضح القصور الکبير في البدائل التمويلية التقليدية الأخرى في تحقيق ذلک، ونجد أن أساليب التمويل تعددت في الإسلام تهدف في مجملها إلى تحقيق التنمية المستدامة، ولعل من أبرز هذه الصيغ التمويلية نجد الوقف إذ إن الوقف عبر تاريخه الطويل يعتبر إحدى دعائم البناء الإجتماعي والإقتصادي للأمة، وکان له إسهام کبير في تحقيق التنمية الإقتصادية والرفاه الإجتماعي، وذلک من خلال إقامة الأساس المادي للخدمات والمنافع العامة وتمويل شبکة واسعة من المرافق والمشروعات الخدمية في مجالات حيوية شملت التعليم والصحة والثقافة والبنية التحتية، إضافة إلى الأنشطة الإجتماعية والترفيهية. يسعى هذا البحث إلى إبراز سبل تطور موارد الوقف لتحقيق التنمية المستدامة في الدول العربية عاماً وبمصر خاصةُ ، بإعتباره إطاراً مؤسسياً وتمويلياً يؤِّمن شروط الإستثمار البشري ويؤِّمن شروط العرض العام اللازم لتحقيق التنمية المستدامة