شهد القرن العشرين اهتماما متزايدا بالبيئة من قبل حکومات الدول المختلفة والعلماء والمهتمين بشئونها حفاظا علي التوازن البيئي الذي يضمن استمرار التنمية علي المدى البعيد ورغم أن البيئة قد استمرت باتزانها الاعجازي بقدرة الله تعالي فقد جاء الإنسان متعمدا وغير متعمد ليفسد ما خلق الله وسخره في هذا الکون الآمر الذي أوقع مشکلة ضخمة وهي مشکلة الإضرار بالبيئة ولما کانت قضايا البيئة التنمية ترتبط ببعضها البعض بعلاقات من التکامل والاعتماد المتبادل نجد انه من المتعذر استمرار التنمية علي قاعدة موارد البيئة المتدهورة کما أنه لا يمکن حماية البيئة إذا أهملت التنمية تکلفة الأضرار البيئية وأمام أهمية وضرورة تفهم المنشآت المختلفة واعترافها بمسؤولياتها تجاه البيئة کان من الضروري أن يکون هناک العديد من القضايا التي لابد من النظر إليها بعين الاعتبار ومنها دور مهنة المحاسبة في حلي القضايا والمشکلات البيئية حيث أن مستخدمي البيانات المالية يجدون في المعلومات المالية حول أنشطة المنشأة کافة ومن بينها المعلومات البيئية أهمية بالغة في تقييم موقف المنشأة ونتائجها السابقة وتطلعاتها المستقبلية إذا تساهم هذه المعلومات في التأثير علي مسار المشاريع التجارية وأنشطتها علي المجتمع وقد تبين أن أغلب المنشآت تواجه العديد من المشکلات الخاصة بقياس وتحليل التکاليف البيئية خاصة في ظل الاهتمام المتزايد من قبل الجهات المختلفة بتحديد وقياس هذه التکاليف والإفصاح عنها ضمن القوائم المالية حيث کانت المحاسبة التقليدية تخفي التکاليف البيئية ضمن عناصر التکاليف غير المباشرة مما ينتج عنها معلومات غير دقيقة واتخاذ قرارات خاطئة.
ويعد الاهتمام بتحديد وقياس التکاليف البيئية ظاهرة حديثة نسبيا حيث يشير التتبع التاريخي إلي أن المنشآت لم تکن تهتم بظاهرة التلوث البيئي وانبعاث الأدخنة التي کانت تلوث الهواء أو بتصريف المخلفات في الأنهار مما يهدد سلامة الکائنات الحية التي تعيش علي ضفاف الأنهار ، ويرجع هذا الإهمال إلي الشعور السائد لدي المجتمعات بأنهم تملکوا موارد طبيعية هائلة لا تنضب وبالتالي لا توجد مشکلة مع وجود أراضي غير مستغلة بسبب التلوث البيئي کما أن التکاليف اللازمة لإزالة هذا التلوث لا تقنع إدارة المنشأة بالقيام بأنشطة الإزالة وتدريجيا بدأ الاهتمام يتزايد بضرورة العيش في بيئة نظيفة أمنة حيث کان الاعتقاد السائد أن المجتمع فقط هو المسئول عن سلامة البيئة لکم مع ظهور القوانين والتشريعات البيئية بدأ الاهتمام يتجه نحو المنشآت التي تمارس أنشطة ملوثة للبيئة مما أدي إلي تزايد الاهتمام بأساليب حماية البيئة ومحاولة قياس وإدارة تکاليف الحفاظ علي البيئة وفي ظل الکوارث البيئية المتتالية وتعاظم تأثير القوانين البيئية بدأ الترکيز علي استنباط أساليب لقياس وإدارة التکاليف البيئية خصوصا مع ظهور مواصفات جديدة للجودة والتي تسمي بالأيزو (ISO14000) والتي تطلب أن تمارس المنشات أنشطة صديقة للبيئة في مختلف المراحل الإنتاجية والتسويقية .
ولذلک فإن حماية البيئة والمحافظة عليها وتنميتها لم يعد أمرا اختياريا من قبل تلک المنشآت في الوقت الحالي بل أصبح أمرا حتميا وذلک يعود لجملة من الظروف والعوامل الاقتصادية والقانونية والأخلاقية والاجتماعية التي تحيط ببيئة العمل في الوقت الراهن .