إذا كانت التطورات الطبية قد جعلت من جسم الإنسان وسيلة علاج لغيره من أفراد المجتمع، وأباح القانون هذا التصرف صيانة منه للمصلحة العلاجية الملحة للمريض، فإن النظام العام والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع تفرض أن يبقى هذا التصرف يحكمه مبدأ المجانية، فيتعين أن يكون الدافع إلى التنازل هو التضامن الإنساني والتراحم والتضحية والإيثار، وليس الربح أو المقابل.
ففي ظل عمليات نقل الأعضاء البشرية أصبح جسم الإنسان – حيا وميتا - يمثل مصدرا خصبا للحصول على الأعضاء البشرية، وما يمثله ذلك من المساس بالحق في الصحة والحق في الحياة وفي السلامة الجسدية، وهى حقوق تناولها المُشَرِّع الجنائي بالحماية، إلى جانب أنها تعد مساسا بجثة المتوفى.
ولقد ترتب على هذه الممارسات انتشار ظاهرة الإتجار بالأعضاء البشرية، التي تتم تحت وطأة الحاجة المالية لما تُدِرُّه من أموال طائلة، فظهور ما يعرف بسياحة زرع الأعضاء البشرية، وما يقتضي من ضرورة اتخاذ التدابير القانونية للحد من هذه الظواهر ومعاقبة مرتكبيها، وذلك من خلال وضع نظام قانوني يُجَرِّم كافة صور النشاط الإجرامي وما يتصل به من أفعال جرمية والنص على العقوبات المناسبة بهدف قمع وردع المجرمين.
وسنحاول من خلال هذه الدراسة التصدي بالبحث والتحليل لأهم ما جاء في خصوص جريمة الإتجار بالأعضاء البشرية كأحد أهم الظواهر الإجرامية التي تتميز عن الجرائم العادية، وتحيط بهذه الظاهرة التي أفرزتها الحياة المعاصرة كنتيجة للتقدم العلمي والتكنولوجي في مختلف المجالات، بهدف إرساء مبادئ العدالة الجنائية.