يشهد العالم اليوم تقدما طبياً هائلا في العمليات الجراحية، ولاسيما عملية نقل وزراعة الأعضاء البشرية بين الأحياء أو بين إنسان ميت وأخر حي، بغية أحياء النفس البشرية واستمرار رسالة الإنسان على الأرض وليس بغرض الاتجار بها، فترجع أهمية هذا البحث للوقوف على مدي مشروعية تلك العمليات في ضوء أحكام الشرائع السماوية.
فقد كرمت كافة الأديان السماوية الإنسان وجعلته اسمي مخلوقات الأرض، فجاء في شريعة موسي أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله ليسود على كل المخلوقات الأرضية حيث توج الله خليقته الأرضية بخلق الإنسان فجاء في سفر التكوين "وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا".
جاءت الشريعة المسيحية لكي تكمل الناموس أي تكمل شريعة موسي فقال السيد المسيح "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" فحرمت الشريعة المسيحية قتل الإنسان لأخيه الإنسان دون أن تفرق بينهما في الدين أو الجنس أو اللون ولكن فقط لكونه إنسان فجاء في الإنجيل "سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ".
وكرم الإسلام الإنسان وجعله اشرف مخلوقات الله الأرضية وأحبها إليه، وقد كرس القرآن الإنسان فجاء في سورة الإسراء "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"، وجاء في سورة التين " لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ".
وتكمن إشكالية البحث في عدم وجود نصوص قاطعه الثبوت والدلالة في الشرائع السماوية تبيح أو تحرم عملية نقل وزراعة الأعضاء البشرية لما تحمله من اعتداء على سلامة جسم الإنسان، الأمر الذي جعلنا نأخذ في هذا الشأن بالقياس من روح نصوص شرائع الأديان السماوية لما تحمله من محبة الإنسان لأخيه الإنسان، والفداء، والبذل، والعطاء، وكذا ما قالته الفتاوى وأراء فقهاء الشريعة في الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، توصلا لمدي إباحة أجراء تلك العمليات الجراحية من عدمه في ضوء أحكام الشرائع السماوية.