لا يمکن فهم النصوص ، أو تأويلها دون النظر إلى ما يحفها ، ويحيط بها من ملابسات تؤثر في بنائها ، لذا کان احتفال البلاغيين منذ القدم بالمقام ، ودلالاته المعرفية ، وارتباط أبواب البلاغة العربية بفکرة المقام أو مقتضى الحال .
والنصوص أو اللغة بشکل عام لا تقف عند مجرد نقل الأفکار والأحاسيس ـ وإن کان ذلک من وظائفها الأساسية ـ بل هي کأي نشاط ، أو حدث لا يمکن فهمه بمعزل عن بقية الأنشطة الأخرى ، لذا فإن المقام ، أو الظرف المحيطة بالنص ، أو الحدث اللغوي جزء متم للنص . ولهذا کان التأکــيد على أهــمية الرجوع للمقام ، أو الموقف الکلامي ، أو ما يسمى بـقرائـن الأحوال ، وهي جميع ملابسـات النـص عـنــد محـاولة إفـراغ مـضمونه ، ومعرفة أهدافه .
وإذا کان المتکلم البليغ هو من يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدارالمستمعين ،وبين أقدار الحالات ، فيجعل لکل طبقة من ذلک کلاما ، ولکل حالة من ذلک مقاما ، کما أن عنايته بالکلام تکون على حسب الحال ، وقدر الحفل ، وکثرة الحشد ، وجلالة المقام وتبيُّن مقادير من يکتب عنهم ، أو إليهم ، فکذلک ينبغي على من يروم فهم النصوص ، والوقوف على مراميها أن يقف على کل ما کان له تأثير في بناء النص کالهدف منه ، وأحوال المخاطبين ، وصفاتهم ؛لأنه لا يمکن فصل المقال عن المقام ، ولا فهم المقال بمنأى عن المقام .