إن التراث الفقهي الإسلامي بعظمته التي تمتد بامتداد الأيام, منذ أکثر من أربعة عشر قرنا من الزمان, اصطدم بطرفي نقيض أخرجاه مما خلقه الله له, وأبعداه من کونه طريقا للائتلاف إلى طريق للاختلاف, ومن سبيل للتقدم, إلى سبيل للجمود والتشرذم.
ويتمثل الطرفان في واحد يريد (لعظمته) أن نجمد عليه, وأن نرکن إليه مهما اختلف الزمان, وتغير المکان, ومهما حصل من تطور , أو تجدد من تصور.
وجاء الطرف الآخر بالنقيض, فنادى على هذا التراث بالتبديد, وتوعد على تطبيقه بالتهديد, فلسان حالهم ما للحاضر والماضي؟! فما لتراثکم هذا من جديد وما لتطبيقه الأن من مريد.
وامام هذين الاتجاهين کان هذا البحث المختصر بعنوان " التراث الفقهي الإسلامي بين التجديد والجمود والتبديد" ليفصل بين الفريقين ويتوسط بين النقيضين, مبينا لمنهجهما ناقضا لمذهبهما, لا من قبيل الاختراع, بل من سبيل الاطلاع على ما خطه لنا المتقدمون من طريق للتجديد وسبيل لمن أراد من الفقه کل جديد.
وقد بينت أن هاک حاجة ماسة إلى دراسة أکثر تعمقا للتراث الفقهي الإسلامي لا سيما کتب المتقدمين, لأن الإلمام بهذه الکتب وما فيها من فروع, يزکي الملکة الفقهية لدى الدارس ويمهد الطريق إلى الوصول إلى الحکم من الدليل, وهو ما يفقد نسبيا في کتب المتاخرين, بسبب اعتمادها على الرواية, والناظر في کتب المتون, والشروح, والحواشي, والتقريرات, يظهر له ذلک.