السَّياقُ القرآنيُّ له منزلة في بيان المعاني والمراد منها، وهو المؤسِّس لها، فالألفاظ القرآنية لا تُنطَق خاليةً من القرائن والقيود وسياقِها الدَّاخليِّ والخارجيِّ؛ فلا يوجد لفظٌ مُطْلَقٌ أو مجرَّدٌ، فاللفظُ لا يُعرَف معناه إلا في سياقهِ؛ من خلال الاستعمال السِّياقيِّ. وكذلك القاعدة الأصولية المقرَّرة في بيان الأمر وصيغتهِ وغيرها أغلبيَّة، والحاكمُ عليها السِّياقُ والاستعمالُ، وهو الموجِّهُ في هذا، فالعلماء -في القرون المفضَّلة- يقرِّرون القواعد كجادَّةٍ مُتَّبَعة، لكنهم يحكمون عليها بسياقها الاستعماليّ، فكلُّ آيةٍ لها سياقُهَا، وكلُّ حديثٍ له سياقُهُ، وكلُّ مسألةٍ لها سياقُهَا، فهي تُقرَّرُ وفقَ جادَّةٍ مُتَّبَعَةٍ في المنهج الاستنباطيّ، لكنَّ الحاكمَ عليها هو سياقُها واستعمالُها عندَ تداولِها، وهذا ما حَادَ عنه متكلِّمةُ أصولِ الفقهِ في تقرير المعاني والتَّصوُّرات للألفاظ وفق المنهج التَّجريديّ في التَّصوُّر لماهيَّة الأشياء، التابع للمنطق اليونانيّ الذي من ركائزه وجودٌ عينيٌّ خارجُ الذِّهْنِ لماهيَّة الأشياء، فيستوجب التَّصوُّر الصَّحيح البحث عنها عن طريق الإغراق في الفصل والجنس والذَّاتيَّة ونحوها، وهذا يخالف منهج التَّصوُّر لمعاني الألفاظ الذي عليه العرب من حالِ المتكلِّم وعادتهِ وسياقهِ ومقصودهِ. فمراعـاةُ الدَّلالةِ السِّياقيَّةِ معتبَرةٌ في معاني الألفاظ، ولقـد اهتمَّ العلماء بالسِّياق في تفسيرهم للقرآن وبيان أحكامه