أولى المسلمون – بشکل عام وأهل المغرب والأندلس بشکل خاص – المصاحف عناية کبيرة. فمن حيث المواد التى کتب عليها، فقد بدأ أهل الغرب الإسلامي کتابة المصاحف على الرق، الذي ظل مستعملاً فى المصاحف حتى وقت قريب. ثم بدأوا منذ القرن (5هـ/11م) الکتابة على الورق. وعن نوع الخط فقد ظل الخط الکوفي هو المستخدم فى کتابة المصاحف حتى القرن (5هـ/11م) أيضاً، إلى أن حل محله الخط المغربي. أما ألوان المداد فقد استخدم المداد الأسود فى الکتابة والمداد الأحمر في التشکيل أو نقط الإعراب والأصفر للهمزات وعناوين السور. ومن حيث التجليد أو التسفير فقد بدأ بسيطاً باستخدام ألواح خشبية تم کسوتها بالجلد أو القماش، ثم رصعت بالأحجار الکريمة ورقائق الذهب والفضة، ثم استبدلت ألواح الخشب بأغلفة ورقية تم کسوتها بالجلد المحلي بالزخارف والتذهيب. والمصحف قيد الدراسة هو أحد نماذج المصاحف المغربية التى تتضح بها ملامح صناعة المخطوطات والمصاحف فى الغرب الإسلامي، ومن خلال دراسة هذا المصحف سيتم إلقاء الضوء على صناعة المخطوط المغربي منذ نشأته وتتبع مراحل تطوره ورصد أهم ملامحه ومميزاته.
يوجد المصحف محل الدراسة محفوظاً بجامع أبى محمد المرجانى بمدينة تونس. وقد أُنشئ هذا الجامع فى فترة حکم السلطان أبى حفص عمر (683–694هـ/1284–1294م) على يد الشيخ أبى محمد المرجاني.
والمصحف اليوم فى حالة مقبولة من الحفظ –عدا أن بعض أوراقه أصابها التلف جزئياً- حيث يحتفظ بکامل صفحاته ودفتيه الأصليتين، وينتمي إلى نمط المصاحف العمودية. وقد کتبت صفحات المصحف بالخط المغربى المبسوط، کما کتبت صفحة الخاتمة والتى تحوى اسم الخطاط والآمر بکتابة المصحف وتاريخ الفراغ من کتابته بالخط المغربي المجوهر (الخط الفاسي). وقد کتبت صفحات المصحف بمداد أسود اللون، عدا عناوين السور وبياناتها فکتبت بمداد ذهبى اللون. کما کتبت صفحة الخاتمة بمداد ذى لون أحمر داکن. أما علامات الشکل فقد رسمت بمداد أحمر اللون تمييزاً لها عن مداد کلمات النص القرآنى ذى اللون الأسود، وذلک لتيسير عملية القراءة. أما الهمزة فقد نفذت بمداد ذى لون أصفر.