صاحب مرحلة ما بعد الحداثة منذ نشأتها بشکل واضح فى الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين العديد من التحولات والتغيرات على صعيد المفاهيم والمعايير والقيم، وفى ميدان علم الجمال تناولت کتابات ومؤلفات النقاد والفلاسفة ومنظرى ما بعد الحداثة العديد من القضايا، المصطلحات، والنظريات والمفاهيم الجديدة.
ويعد مفهوم السيمولاکر Simulacre أحد هذه المفاهيم التى ارتبطت بعصر ما بعد الحداثة، حيث تناوله بالدراسة والتحليل مجموعة من فلاسفة ذلک العصر وبالأخص جيل دولوز، جان بودريار، وميشيل فوکو، فقد وضع مفهوم السيمولاکر فى خطاب طويل ومعقد طوال تاريخ الفلسفة وبلغ (وصل ذروته) مع طليعة الفکر النظرى فى الجزء الأخير من القرن العشرين فى أعمال المنظرين حيث تضمنت کتاباتهم آراء مختلفة حول مفهوم السيمولاکر الذى بدا خفياً، والأکثر إرتباطاً بعصر ما بعد الحداثة.
تعتبر فنون الوسائط الجديدة المتعددة المصادر والتقنيات الأکثر تمثيلاً لمفهوم السيمولاکر حيث أصبحت إمکانات تلک الفنون لا حدود لها إعتماداً على الوسائط فائقة السرعة والتطور الصناعى والتکنولوجى، ذلک مما أدى إلى تجاوز وتفکيک بنية الفن التقليدى فظهرت أعمال متعددة المصدر وبدون مصدر أصلى ولم يعد هناک عمل فنى مادى دائم، ولکن ملفات رقمية تتألف من العديد من الأرقام والرموز والمعادلات والشفرات الحسابية. فهى صور فنية تقوم على الاختلاف، اللاتشابه واللاتحديد، خرق المعقول والممکن، إنکار المحاکاة والنموذج الأوحد، وانعدام الأصل فالعمل الفنى الواحد هو تجميع من مصادر لانهائية، وربما يمثل أيضاً معانى زائفة وزائلة، کل ذلک مما يندرج تحت مفهوم السيمولاکر.
ومن ثم يتجه هذا البحث إلى دراسة مفهوم السيمولاکر منذ ظهوره، وإرتباطه بفلسفة ما بعد الحداثة، بإعتباره أحد المفاهيم النقدية والجمالية الهامة والتى لم يتم تناولها بشکل وافى فى الدراسات والبحوث النقدية العربية، ثم تناوله بالتطبيق والتحليل على نماذج من فنون الوسائط الجديدة وبالأخص فن الفيديو الثلاثى الأبعاد Video Mapping Projection الأکثر تمييزاً لفنون الميديا الناشئة فى العقد الثانى من القرن العشرين، وذلک فى محاولة للربط بين المعانى والدلالات المرتبطة بمفهوم السيمولاکر وجماليات تلک الفنون، بل وإعتباره قيمة جمالية تميزها.