اهتم التراث التاريخي الاسلامي برصد الظواهر العجيبة في الحياة الإنسانية بمختلف أشکالها وأنواعها، ونتج عنها ظهور عدد من المؤلفات التي ارتبطت عناوينها بها. ومن أقدم الکتب التي وصلت إلينا "کتاب العجائب" لأبي الفياض ثوبان الاخميمي المعروف بذي النون المصري (ت 245ه). ولقد ألف أحمد بن محمد بن عبد ربه (ت 328هـ) کتاب بعنوان "طبائع النساء وما جاء فيها من عجائب وأخبار وأسرار"، کما ألف المسعودي(ت346ه) کتاب "عجائب الدنيا" والذي قام ابن وصيف شاه (ت 596ه) باختصاره. وأيضاً کتاب "عجائب البلدان" لأبي دلف الينبوعي (ت 385ه)، وکتاب "المعرب عن بعض عجائب المغرب" تأليف أبو حامد محمد المازني الغرناطي (ت565هـ) وغيرها من کتب العجائب المتنوعة.
وقد وقع الاختيار على کتاب "الاستبصار في عجائب الأمصار" لمؤرخ مغربي عاش في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي ليکون الجانب التطبيقي للدراسة حيث تم تطبيق المنهج التاريخي القائم على استقراء النصوص التاريخية ونقدها وتحليلها على الکتاب للوصول إلى تجليات العجيب في التراث التاريخي.
إن إشکالية هذه الدراسة تقوم على الأسئلة التالية: ما هو مفهوم العجيب ومدى ارتباطه بالغريب وبغيره من الکلمات ذات الدلالة المشابهة؟ وما هي مکانة العجيب في التراث الفکري الإسلامي؟ وما هو التصنيف المعرفي لکتاب "الاستبصار في عجائب الأمصار" ضمن التراث الفکري الاسلامي؟ وکيف کان منهج المؤلف في الکتابة عن العجيب؟ وما هي تجليات العجيب في الکتاب؟
وسوف يتم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة محاور أساسية: يدور المحور الأول حول التعريف بمفهوم العجيب لغة واصطلاحاً. وعن مکانة العجيب في التراث الفکري الاسلامي. والمحور الثاني حول التعريف بکتاب "الاستبصار في عجائب الأمصار" ومؤلفه ومنهج المؤلف في ذکر العجيب في الکتاب. أما المحور الأخير فهو عن تجليات العجيب في التراث التاريخي من خلال کتاب "الاستبصار في عجائب الأمصار" ويعد هذا المحور الجانب التطبيقي للدراسة والذي سيتم تتبع ظاهرة العجيب في الکتاب وتحليلها للوصول إلى تجليات العجيب في التراث التاريخي.