حاول المصري القديم إيجاد مبررات لقوي الفوضي في الکون والتي لم تتوقف عند الحيوانات الضارة أو المفترسة والزواحف السامة، وإنما تجاوزتها إلي مظاهر الطبيعة من العواصف والزلازل والبراکين، وفي هذا الإطار ابدعت قريحة الکهنة الکثير من التفاسير لما يواجههم من ظواهر وما تبعها من اشکاليات. تطورت تلک التفاسير من مجرد أفکار عابرة إلي أن أصبحت مسلمات راسخة في عقيدة المصري القديم ووجدانه، کما أصبح لمجابهة الشر الناتج عنها بُعد سياسي آخر، حيث اتخذ کمبرر کاف لضرورة الإلتفاف حول السلطة وتقديم کل أوجه الدعم والمساندة لها في مواجهة أعداء النظام الحاکم بوصفهم " شر" يحدق به . وقد کان شروق الشمس کل يوم يعتبر إيذاناً بتجديد تلک البيعة بين المصريين والملک الحاکم ممثل معبود الشمس رع الذي استطاع تجاوز العقبات التي نصبها له الثعبان أبوفيس (عبب) شيطان العالم الآخر، وذلک بدعم من تاسوع هليوبوليس وفي مقدمتهم المعبود ست الذي ساد عنه انطباع بأنه الرمز الوحيد للشر في مصر القديمة وفقاً لاسطورة إيزيس وأوزيريس، إلا أنه لم يدخر جهداً في دعم معبود الشمس في مواجهته مع ذلک الثعبان الذي تتعدد أشکاله وهيئاته، حيث بدا في أول الأمر کسلحفاه ثم ظهر احياناً کتمساح، أو مسخ مرعب، کما يتحول من هيئة ثعبان إلي ثعبان آخر حسب کل مرحلة من مراحل الصراع .
يرتکز موضوع البحث الحالي علي تتبع تصوير أبوفيس تاريخياً في کتب العالم الآخر بمصر القديمة، سواء کانت برديات أو رسوم علي الجدران، وذلک من خلال قراءة فنية تحليلية لتلک الأعمال، التي توضح مراحل الصراع بين أبوفيس من جانب ومعبود الشمس رع وحاشيته من جانب آخر، حتي يتمکن رع من السيطرة عليه وتدميره حتى تتمکن الشمس من الشروق معلنة بداية يوم جديد ، بينما يظل ابوفيس متربصاً علي شاطئه بالعالم الآخر، بانتظار قارب الشمس ليستقبلها مع ساعات الغروب الأولي ليبدأ معها فاصل جديد من الصراع الأبدي المستمر .