إن دراسة الفنون من الموضوعات الهامة والشيقة، خاصةً إذا ارتبطت بمادة خام ذات أهمية کبيرة في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، والتي هي الفضة، وخاصة إذا کانت تختص بأدوات للمائدة ذات طراز شرقي حديث، مستمد من أوروبا، هذه الأدوات ظهرت في أشکال الصحون ذات القواعد المعدنية.
هذا الطراز لم يکن متواجدًا في مصر من قبل، وقد جاء إلى مصر کنتيجة للتبادل الثقافي بين مصر والدول الأوروبية خاصة فرنسا، ومن خلال هذا التبادل ظهرت التأثيرات الأوروبية على الفن الشرقي، ليتشرب من أوروبا أساليبها الفنية، وطرزها الزخرفية، مما دفع الباحث لعمل دراسة علمية استقرائية تحليلية على هذا النوع الجديد من أدوات المائدة، للوقوف على مظاهر الحياة الاجتماعية لهذا العصر، ومعرفة الحالة الاقتصادية الخاصة بالأسرة الحاکمة في ذلک الوقت، فضلًا عن معرفة الأساليب الفنية والصناعية التي سادت هذه الفترة.
فقد اتسم عهد الخديوي إسماعيل(1279-1296هـ/1863-1879م) بالتأثر الشديد بالفنون الأوروبية، حتى عُرف عنه أنه ناقل النهضة الأوروبية إلى مصر، وذلک لتأثره الشديد بالثقافة والمعمار الأوروبي خاصة الفرنسي ، حيث أنه درس في باريس علوم الهندسة والرياضيات والطبيعة، وعندما تولى إسماعيل الحکم (1279-1296هـ/1863-1879م)، کانت أولى خطوات الانتقال للحضارة الأوروبية في عهد إسماعيل، نقل مقر الحکم من القلعة إلى «قصر عابدين».
وقد اهتمت الأسرة العلوية باستخراج المعادن، حيث أنها کانت تمنح الخبراء رخصة الکشف والبحث والتنقيب عن المعادن في کافة أرجاء مصر وکافة الأراضي الخاضعة لحکمها، فحاولت الشرکات الأجنبية الحصول على امتياز استخراج المعادن التي تم الکشف عنها، مثل الذهب، والفضة، والنحاس، والرصاص، والحديد، والزمرد، بالإضافة إلى العقيق، هذه المعادن التي کثيرًا ما تم صنع أدوات المائدة منها.
وفي عهد الخديوي بدأت الصناعات الکبرى في القرن التاسع عشر في الظهور بمصر على إثر الدول الأوروبية، فتواجدت العديد من الصناعات مثل استخراج الروائح العطرية، وصناعة الأواني الفخارية والزجاجية، فضلا عن مصانع الحديد وسباکتها، وتُعد صناعة المجوهرات من الصناعات الرائجة محليا أيضا آنذاک.
لکن بالرغم من النهضة التي أحدثها الخديوي، إلا أن الحرف الصناعية الصغيرة تدهورت؛ بسبب سياسة الحرية الاقتصادية وسياسة الانفتاح وإعطاء الأمان لرؤوس الأموال الأجنبية بعد إنشاء المحاکم المختلطة، لکن رغم ضآلة الصناعة الحرفية إلا أنها استمرت في مصر حتى أواخر القرن التاسع عشر .