علي مر العصور تعامل الإنسان مع المبني علي انه کائن حي يؤثر علي مستعمليه ويتأثر بهم، وبالتالي لم يکن اختيار مکان المبني بالنسبة للإنسان الأول أمرا هينا، وکان لأمر البناء قدسية خاصة و لم يکن يقوم بمهمة البناء إلا طائفة من البشر مُختارة بعناية ، حتى أنهم کانوا من صفوه الکهنة عند قدماء المصريين، ورفع المصريون القدماء بعضهم إلي مرتبة الآلهة التي تعبد، وتعدي الأمر المصريين فتبعهم البطالمة و اليونانيين في ذلک.
وفرضية أن للفراغ المعماري تأثير علي الوظائف الحيوية لمستعمليه ليست غريبة علي العمارة، بل هي ضاربة في جذورها بعمق. فالدارس للعمارة المصرية القديمة لا يعدم مجموعة من الدراسات العلمية الحديثة التي تناولت هرم خوفو بالبحث والتحليل والتجريب، نتج عن هذه الدراسات والتجارب مجموعة من النتائج سارت في اتجاه أن للهرم کمبني تأثيرات مختلفة علي کل من بداخله. بناء على ذلک يبدو ملائماً أن يؤسس البحث لفرضية " أن للعناصر الجمالية والهندسية للفراغ المعماري تأثيراً علي الوظائف الحيوية لمستعمليه" خصوصا مع ظهور مجموعة من الدراسات المحلية والأجنبية التي تناولت فکرة المقارنة بين الأشکال الهندسية الأولية و تأثيراتها عل مستعمليها، وتنوعت وجهات کل بحث مابين باحث عن تأثيرات حيوية و مابين مستهدف للجوانب النفسية.
تنبع أهمية هذا البحث من کونه يحاول دراسة جانب هام من الجوانب المؤثرة في عملية التصميم، وهو تأثير التکوين الهندسي للفراغ المعماري علي الوظائف الحيوية لمستعمليه. هذا الجانب الذي يشهد سجالاً وجدالاً بين فريقين من المعماريين، فبينما تري طائفة غير قليلة العدد أن للشکل الهندسي طاقة معينة لها القدرة علي التأثير علي الجوانب الحيوية لمستعملي الفراغ؛ يري الجانب الآخر في هذه الأطروحات ثغرات علمية، لاسيما عدم إمکانية قياس هذه الطاقات بالأدوات والأجهزة المعروفة والمعتمدة علمياً.