يعد فن التصوير الجداري من الفنون المتوغلة في التاريخ وأکثرها قدماً وأصالة، وقد ظل رغم تعدد الأفکار والتقنيات والأزمنة، منهجا وأسلوباً ومَنفذاً هاماً للتعبير عن الرأي. کما ظل حليفاً مُخلصاً للطبقات الکادحة، مُتخذاً من الشارع مکاناً ومُستقراً له. ولقد إقترن الفن التشکيلي بالعلوم الطبيعية على إمتداد تاريخه، ولقد کان القرن العشرين شاهداً على طفرة علمية أثرت بشکل کبير على شکل الإنتاج الفني ومفهومه. وبحلول القرن الحادي والعشرين أضحى التقدم التکنولوجي المذهل في مجال البرمجيات متداخلاً ومؤثراً على کافة مناحي الحياة العصرية، وکان للفن التشکيلي نصيباً کبيرا منه لأنه لا يخشى التجريب ويتماهى مع ما تقتضيه المتغيرات المجتمعية.
منذ بضع سنوات ظهر في الأفق مصطلح جديد وغير مألوف، ألا وهو "الواقع المعزز" أو المُطور Augmented Reality. وهو نوع من التطبيقات التکنولوجية المُطورة التي تدمج بين الواقع الفيزيائي الملموس وبين معلومات وصور رقمية مُستقاه من الحاسوب، لتخلق لنا واقعاً جديداً يمثل تمازجاً بين ما هو واقعي وبين ما هو إفتراضي ويجعل منهما روحا واحدة. ويعد عام 1990م هو البداية لهذا النوع من التکنولوجيا المُتطورة والتي صممتها القوات الجوية الأمريکية، مما أدى لاحقاً إلي تطوير برامج وتطبيقات مُختلفة متاحة الأن مثل "الواقع الإفتراضي" Virtual Reality و"الواقع المعزز". ويتم الأن إستخدام الأخير تکنولوجياً في مجالات ترفيهية وتعليمية وفنية وثقافية. کما تُستخدم تلک التطبيقاتApplications بشکل واسع الأن في مجالات "الفنون البصرية"Visual Arts ، وقد طالت تلک الطفرة التکنولوجية مجال التصوير الجداري، حيث أصبح هناک طريقتان لمشاهدة العمل الفني، وذلک أما بالعين المجردة کما هو معتاد، أو من خلال تطبيقات "الواقع المعزز" التي يصممها الفنان بالإشتراک مع إحدى شرکات البرمجيات، حيث يصوب المُشاهد هاتفه على العمل مباشرة في ما يمکن تسميته "مناخ أو رؤية نشطة" Active view، ومن ثم تبدأ المؤثرات في الظهور على سطح العمل، وبالتالي تُضيف له أبعاداً ومفاهيم أخرى تُحوله من عمل مُصمط ومُلتصق بالحائط إلي حقيقة واقعة يمکن للمشاهد التفاعل معها من خلال مؤثرات بصرية وصوتية تجعله متحرکاً وجاذباً ونابضاً بالحياة. وقد أُطلق على هذا النوع من الأعمال إسم" الجداريات المُطورة تکنولوجياًAugmented Murals "، وتأتي تلک المحاولات لإستغلال التکنولوجيا في المضمار الفني من أجل محاولة تعزيز الإرتباط بينهما، مما يساهم في إثراء التجربة الفنية ولفت إنتباه المارة اللذين يشغلهم هاتفهم المحمول وتطبيقاته عن رؤية العالم من حولهم.