تهدف هذه الدراسة إلى الإفادة من "الحوکمة" کأحدث مفهوم في الإدارة، يعني بتحقيق الضبط الإداري والأداء الاقتصادي الرشيد، ومحاولة وضع مقترح للتطبيق على المؤسسات الصحفية القومية التي تواجه تحديات عديدة تهدد وجودها واستمرار رسالتها الصحفية.
تناولت الدراسة بالبحث التفصيلي کل الظروف المحيطة بالمؤسسات الصحفية، من حيث نشأتها وهياکلها الإدارية وما تصدره من صحف، وتطور الفکر الإداري في التشريعات الصحفية وانعکاساته على العمل بها، بدءًا بقانون تنظيم الصحافة رقم 156 لسنة 1960، وصولًا إلى قانون الهيئة الوطنية للصحافة رقم 179 لسنة 2018. ورصدت جهود حل مشاکل المؤسسات، وأبرزها دراسة مکتب حازم حسن 2005، ودراسة لجنة مجلس الشورى 2006، ودراسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ثم ما طرحته المؤتمرات العامة لنقابة الصحفيين أعوام 1964، و1991، و1995، و2004، و2016.
ناقشت الدراسة المشاکل المالية والتمويلية بالمؤسسات الصحفية، وتطور الإنفاق الحکومي أو التمويل الذي تقدمه الدولة لها. وکشفت أن أخطر مشکلة تواجه النشاط الصحفي تتمثل في تلک الفجوة بين تکلفة إنتاج الصحيفة وسعر بيعها للجمهور، حيث تتراوح التکلفة الفعلية ما بين 9 إلى 12 جنيهًا في المتوسط، بينما يبلغ سعر بيعها 3 جنيهات، يدخل المؤسسة منها 2,22 جنيه بعد خصم مصاريف التوزيع، وهذا يمثل تغييرًا جذريًا للکثير من المفاهيم التي کانت تعتبر التوزيع المصدر الأول لإيرادات المؤسسة الصحفية، حيث يتبين أن التوزيع لا يغطي أکثر من 18,5% من تکلفة إنتاج الصحيفة. وإذا کانت الصحف تعوض تلک الخسائر مما تبيعه من مساحات إعلانية، فقد تعرض المورد الإعلاني أيضًا لتراجع حاد خلال السنوات الماضية، خاصة بعد جائحة کورونا التي أثرت بشدة على النشاط الاقتصادي.
استطلعت الدراسة آراء 40 شخصية تمثل نخبة القيادات والصحفيين والأساتذة الأکاديميين، ورصدت رؤاهم في القضايا التي طرحتها. وحددت مشاکل المؤسسة في 12 محورًا تتمثل في الأوضاع التشريعية والإدارية والفنية الحاکمة لعملها، والإشکاليات المالية والتمويلية المؤثرة على أدائها. وتوصلت الدراسة إلى 13 توصية لحل مشاکل المؤسسات، تتضمن: مقترحات معالجة سلبيات الإدارة، ونموذج الحوکمة المناسب للتطبيق على المؤسسات الصحفية من خلال خمسة عناصر: الإفصاح والشفافية (24%)، وتحديد المسئولية (22,8%)، والمساءلة (19,8%)، واللامرکزية (17,6%)، والمشارکة (15,6%). و- تعديل القانون 179 لسنة 2018. وحسم الجدل حول طبيعة دور المؤسسة الصحفية. والشروط الواجب توافرها حتى تتمکن المؤسسات من تحقيق التوازن المالي، مع التأکيد على عدم قدرتها على التخلي عما تقدمه الدولة لها من تمويل، وضرورة استثمار ما تملکه من أصول بما يساعدها على تغطية جزء من أعبائها.
- رصدت الدراسة تطور الإنفاق أو التمويل الحکومي المقدم للمؤسسات الصحفية، وهو ليس بدعة، وقدمت نماذج من أشکال التمويل الذي تقدمه الحکومات الغربية لمؤسساتها الإعلامية، وأبرزها نموذج هيئة الإذاعة الکندية، حيث يُقدر التمويل الحکومي بنحو 71% من ميزانية الهيئة. وطالبت بضرورة أن يستمر تمويل الدولة لمؤسساتها الصحفية، التي يؤکد الدستور ملکية الدولة لها، ولکن وفق ضوابط ومتابعة لأداء الإدارات بالمؤسسات الصحفية.
- وضعت الدراسة صيغة لشکل المؤسسة الصحفية في المستقبل، يتمثل في أن تتحول إلى مؤسسة محتوى متعددة المنصات، تکون الصحيفة الورقية المطبوعة أحد عناصره.
- وحذرت الدراسة من اتخاذ أية إجراءات لدمج المؤسسات، وأکدت أن هذا سيزيد من تفاقم مشاکلها، مع ضرورة إعادة النظر في الإصدارات الصحفية التي لا تحقق الهدف من وجودها بعد منحها الفرصة للتطوير. وکشفت الدراسة عن أن المحتوى الذي تقدمه الصحف القومية حاليًا لا يساعد المؤسسات على النجاح الاقتصادي، وطرحت مجموعة من المقترحات لتطويره.
- وتبنَّت الدراسة صيغة تکاملية للتشغيل الاقتصادي بهدف توفير النفقات، مع الحفاظ على کيان المؤسسات الصحفية، بدمج الأنشطة الطباعية المشترکة، واقترحت أن يبدأ ذلک بمؤسسات: دار الهلال وروز اليوسف، ودار المعارف باعتبارها مؤسسات تصدر مجلات، مع الحفاظ على الهيکل الإداري والهوية الصحفية والتاريخية لکل مؤسسة، ومتابعة التجربة وتقويمها لبحث مدى إمکانية تعميمها على باقي المؤسسات في المستقبل.
وقبل کل هذه التوصيات، يبقى المهم وجود إرادة جادة للحفاظ على المؤسسات الصحفية، تضع نتائج هذه الدراسة وغيرها من الجهود في حسبانها؛ لأن هذه المؤسسات تعد رکيزة أساسية لصناعة الصحافة، وثروة قومية لا يجب التفريط فيها.