شهدت سنوات النصف الثاني من القرن العشرين نموا عمرانيا وسکانيا واقتصاديا نتيجة المتغيرات السياسية والاقتصادية التي مرت بها مصر خلال تلک المرحلة. لذلک استهدفت السياسات الإقليمية توجيه النمو العمراني بشکل يحد من المرکزية العمرانية والسکانية والاقتصادية المتزايدة للمدن الکبرى وتوجيه العمران والسکان مع الأنشطة إلي المدن الصحراوية وذلک من خلال مخططات التنمية العمرانية. وظهر ذلک في ورقة أکتوبر ١٩٧٣ التي أشارت انه ليس المشکلة هي ترکز السکان والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في الوادي القديم فحسب، ولکن يضاف مشکلة أخري هي مشکلة الترکز الأعظم في العاصمة حتى وصل عدد سکانها المقيمين إلي خمس مجموع سکان القطر بأکمله وهي نسبة عالية کما إنها آخذه في الازدياد. وکان الحل المنصوص عليه في ورقة أکتوبر هو وضع استراتيجية شاملة في إطار مشروع شامل لرسم خريطة جديدة لمصر بإيجاد مناطق ترکز سکاني ونشاطات اقتصادية جديدة، وتکون لها قوة الجذب الحضري بکل مقوماتها، مما يجذب إليها السکان حتى تعادل قوة جذب العاصمة.
ومن هنا ظهرت المدن الجديدة کرد فعل للازدحام والکثافات العالية والتلوث في المدن الکبرى القائمة ونقص الخدمات والمناطق المفتوحة بها، لهذا فان تخطيط تلک المدن يهدف إلي المحافظة علي الطبيعة والمناطق المفتوحة وإيجاد اتزان بيئي بين السکان والعمل وتقليل الحجم والکثافات وتوفير الخدمات بالمستوي والحجم المناسبين.
ويتناول هذا البحث استعراض النموذج المصري في إدارة التنمية العمرانية من خلال دراسة حالة إدارة المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة وتحليل أسباب عدم تحقيقها المستهدف منها، لبيان الاختلاف في أساليب الإدارة المتبعة وکيفية تأثير ذلک علي تحقيق المستهدف من إقامة المدن الجديدة في مصر.
ويخلص البحث لتقديم حلول إلي کيفية تحقيق اللامرکزية الإدارية للمدن الجديدة من خلال حل المشکلات والمعوقات الأساسية التي تواجه إدارة وتنمية المدن الجديدة.