تعتبر الأزمات الاقتصادية بصفة عامة، والأزمات المالية والنقدية والمصرفية بصفة خاصة من السمات الرئيسية للنظام الاقتصادي الرأسمالي. ولما کانت معظم الاقتصادات العالمية في الوقت الراهن، وبعد انهيار النظام الاقتصادي الاشتراکي، قائمة بصفة أساسية على تطبيق آليات ونظريات وأسس ذلک النظام الاقتصادي الرأسمالي، فقد ترتب على ذلک أن أصبحت معظم دول العالم معرضة بين الحين والآخر لتلک الأزمات وما يترتب على ذلک من آثار تقع في معظمها ضمن الآثار السلبية.
وفي ضوء تنامي موجة البعث الإسلامي، فيما يتعلق بالدراسات والتطبيقات الاقتصادية للنظام الاقتصادي الإسلامي لاسيما منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، فقد طرح وفرض النظام الاقتصادي الإسلامي نفسه بقوة على مستوى التنظير والمبادئ والأسس النظرية، وفي نفس الوقت على مستوى التطبيقات العملية والتنظيمات المؤسسية، وذلک في الأنظمة الاقتصادية الفرعية الثلاثة المتمثلة في الآتي:
1- النظام التجاري الدولي. 2- النظام النقدي الدولي. 3- النظام المالي الدولي.
کما أن الدول الإسلامية بصفة عامة، والدول العربية بصفة خاصة، تعتبر ضمن منظومة الاقتصاد العالمي، وتتفاعل مع مجريات العولمة الاقتصادية بفروعها الثلاثة. ومع ارتفاع درجة الانفتاحية لمعظم الدول الإسلامية والدول العربية على الاقتصاد العالمي، کان من الطبيعي أن تتأثر تلک الدول بما يحدث من أزمات اقتصادية على المستوى العالمي، مبعثها الخصائص والتصرفات الخاصة بالنظام الرأسمالي ورجال الأعمال والمؤسسات الرأسمالية في الدول الغربية.
ولقد کانت الجوانب المالية النقدية والمصرفية في الدول الإسلامية والعربية من أکثر الجوانب تأثرًا بالأزمات المالية والمصرفية العالمية. ولقد شجع ذلک تلک الدول، لاسيما في ظل ضعف قدرة النظام الرأسمالي على مواجهة تلک الأزمات، أن تبحث في ثنايا فکرها الاقتصادي، وأن تفتش في مدى جدوى تطبيق، والتوسع في تطبيق وتفعيل النظام الاقتصادي الإسلامي بفروعه الرئيسية الثلاثة (النظام التجاري الإسلامي، النظام المالي الإسلامي، النظام النقدي الإسلامي) حتى يمکن تجنب الآثار السلبية أو على الأقل تحجيم تلک الآثار وحصرها في أضيق الحدود وذلک بالاستعانة بأدوات السياسة الاقتصادية التي يوفرها ذلک النظام، والتي تعتبر مبنية Built In وموجودة في هيکل هذا النظام. فهل من الممکن أن يوفر النظام المالي الإسلامي البديل الجيد لينقذ العالم من ويلات الأنظمة الاقتصادية الوضعية بصفة عامة والنظام الاقتصادي الرأسمالي بصفة خاصة؟ إن هذا يمثل المشکلة الرئيسية والمعضلة الحقيقية أمام قدرة النظام المالي الإسلامي على مواجهة ذلک، کما سيتضح عند عرض مشکلة الدراسة.