باتت قضية حماية المحيط البيئي الذي يعيش فيه الإنسان تتصدر اهتمامات الحکومات والمنظمات محليًا ودوليًا على أثر تنامي الوعي البيئي للمجتمعات نتيجة بروز العديد من الظواهر الطبيعية في ذلک المحيط، کالتصحر وارتفاع درجات الحرارة وغيرها، والناجمة عن أنشطة الإنسان المختلفة، ومنها النشاط الصناعي الذي تميز في بدايته باستنزاف غير رشيد لموارد الطبيعية بفعل تطلعات تلک الدول للتطور السريع وما صاحبه أو ترتب عليه من کم هائل ومنوع من المخلفات والنفايات بحالاتها السائلة أو الصلبة أو الغازية والتي تطرح في البيئة الطبيعية دون إدراک ما ينجم عنها من انعکاسات سلبية مثلتها الظواهر سالفة الذکر.
هذه الصورة ترتب عنها تسارع التوجه الحکومي والدولي على المستوى التشريعي والاتفاقيات والمؤتمرات للتصدي لهذه الظواهر بحکم مسئولياتها تجاه الشعوب، ومثلت في الوقت ذاته ضغطًا على المنظمات المختلفة ومنها الصناعية لتحمل مسئوليتها إزاء ظاهرة التلوث الصناعي ودفعها لبذل محاولات جادة للبحث عن مداخل استباقية فاعلة في هذا الاتجاه ترکز على اعتماد مبدأ الترشيد في استخدام المواد الأولية والطاقة والماء، الأمر الذي بلور بروز مفهوم التصميم البيئي للسلعة کأحد المداخل بهذا لاتجاه. ولما کانت المنظمات الصناعية العراقية ليست بعيدة عن نظيرتها العالمية فيما يتعلق بالآثار السلبية التي تحدثها أنشطتها المختلفة ممثلة بمخلفاتها وملوثاتها کما أظهرته الدراسة المسحية التي أجراها الباحث لعدد منها في محافظة نينوى – العراق. وعليه فإن هذا البحث جاء ليمثل محاولة لتسليط الضوء على مستوى مساهمة التصميم البيئي للسلعة والکشف عن درجات الأهمية النسبية لمفاتيح الاعتبارات البيئية في تصميم السلعة وعلى طول دورة حياتها التي ترکز على تقليص استخدام المواد الأولية والطاقة والماء وإنتاج ملوثات ومخلفات أقل والتعظيم الوظيفي للسلعة وإعادة الاستعمال والتدوير، فضلاً عن تقليص التأثيرات البيئية للسلعة بعد طرحها کنفايات لمواجهة ظاهرة التلوث الصناعي التي تعاني منها البيئة العراقية عبر دراسة استطلاعية لوجهة نظر القيادات الإدارية في معمل الغزل والنسيج بالموصل باعتماد قائمة الفحص المعدة من قبل مرکز الأعمال البريطاني العالمي التي تم تعديل بعض فقراتها لتتلاءم مع أهداف البحث، وتم إخضاع إجابات أولئک المدراء على فقراتها للتحليل الذي أظهرت نتائجه تباينًا في الأهمية النسبية التي توليها إدارة المعمل المبحوث إزاء ما يعرف بمفاتيح التصميم البيئي للسلعة التي اعتمدها البحث وعلى طول دورة حياة السلعة، کما أظهرت تلک النتائج أن الحصول على المادة الأولية تمثل مرحلة محورية في سلسلة مراحل تلک الدورة لها تفاعلاتها المتباينة مع بقية مفاتيح المراحل الأخرى، بمعنى أنها مرحلة ليست مستقلة عن باقي المراحل الأخرى، وعلى أساس ذلک تم تقديم مجموعة مقترحات لتلک الإدارة تدعم هذا التوجه للبحث إزاء ظاهرة التلوث الصناعي.