يهدف البحث إلى الكشف عن جماليات القيم الجاهلية من منظور بلاغي يلقي الضوء على محاسن الصياغة وجودة التركيب ودقة السبك؛ بما يُقربنا من ملامح هذه القيم في الذهن الجمعي آنذاك، ويكشف زيف مقولات باعثة على صدِّ الجيل الحالي عن قراءة تراثه، بحجج واهية لا تتصل بالواقع، كالقول بصعوبة لغتهم، وتعقد تراكيبهم، وفطرية خيالاتهم وصورهم، ووسمهم بالهمجية وتردي الأخلاق إلى غير ذلك من الدعاوى التي لا هدف لها سوى الاستهانة بالجيل المخصوص بنزول القرآن، وبعثهم في صورة هزيلة
لا ترقى إلى  مسألة التحدي، وتسلبهم القوى البيانية التي أجمع عليها منصفو علماء الأمة ومما دفعني لاختيار هذا الموضوع أمور من أهمها: قلة الدراسات البلاغية التي عنيت بالنثر الجاهلي فيما أعلم، وإرساء دعائم الحوار الناجع بين أفراد المجتمع بعيدا عن التعصب والعنصرية بغية ترسيخ المفاهيم ، وتثبيتها في نفوسهم، وكذا  معرفة الفروق الدقيقة بين الألفاظ، وتناسب المعاني، وترتيبها في النفس، والبناء الممتد في أطراف المحاورة،وأيضا الكشف عن نفسية المجتمع الجاهلي من خلال إبراز  تلك القيم النبيلة، وتتجلي بلاغة تلك القيم  في أسلوب محاورة ممتع يتصدر مشهدها أب مسموع الكلمة له شأن عظيم في العلم والأدب  أدار دفة المحاورة، وأولاد نجباء لهم باع  في سعة المعرفة، وهنا تؤتي المحاورة ثمارها بعيدة عن التعصب واظهار التفوق، فالهدف من المحاورة إبراز تلك القيم النبيلة، ومن ثم فيتسع المقام لذكر قيم متعددة  ممكن أن ترتد إلي قيم أصيلة ثابتة، فيحدث الامتاع وعلو الذوق من قبل المتحاورين، وهنا يتمكن لدي القارئ أن بلوغهما في العلم والأدب مبلغا عظيما هو هدف المحاورة، وليس الهدف التناحر وإثبات تفوق الذات لأحدهما،وقد اعتمدت في هذا البحث المنهج الفني التحليلي للكشف عن تلك الفروق الدقيقة بين الألفاظ، وانسجام الكلمات، وصوغ العبارات.