يقوم هذا البحث على فكرة مؤداها أن إشكال نشأة الشعر الفصيح في موريتانيا يعتبر بحكم ما أثير حوله إشكالا خصبا ما يزال بحاجة لمزيد البحث والتروي من أجل الوقوف ما أمكن على أفضل التفسيرات لنشأة الظاهرة الشعرية في موريتانيا، ويتخذ هذا البحث من المنهجين التاريخي والاستقرائي  أداتين  لمعالجة الموضوع، وقد استطاع البحث من خلال ضرب مختلف الأقوال المتضاربة حول النشأة بعضها ببعض أن يؤسس لإجابة حاولت أن تكون شمولية خالية من شوائب التحيز المعرفي، لأن الحديث عن نشأة الشعر الموريتاني والسياقات المحتضنة له حديث لا يخلو من مغامرة معرفية؛ نظرا لارتباطه العضوي بالتاريخ الثقافي للمجتمع الموريتاني، إذ من المعلوم أن التاريخ الثقافي في هذا المجتمع أشبه ما يكون بحقل مليء بالألغام، لا يجرؤ على اقتحامه إلا اثنان: مغامر أو خبير بنزع الألغام، قد انعكست هذه الحساسية في أن أغلب الدراسات المنجرة عن هذا الأدب عموما، وإشكال النشأة الشعرية منه بشكل أخص، إذا ما استثنينا بعض الدراسات الرائدة لا تتعدى صنفين هما: صنف من الدراسات التي أنجزها نفر من الوطنيين الذين تناولوا إشكال النشأة ووعيهم الفكري لا يخول لهم تجاوز الانتماء الضيق لثنائية القبيلة والجهة والتعصب لهما، بعيدا عن رحاب الموضوعية، فدرسوا هذا الأدب في غياب كامل من المنهجية والحس النقدي الواعي، أما الصنف الثاني من هذه الدراسات ذات النفس التحيزي، فيتمثل في بعض الدراسات التي أنجزها نفر من الأجانب: الفرنسيين خاصة الذين عنوا أساسا بالجانب الإخباري من أدب القوم، فاتخذوه سبيلا ومعينا في افتراضاتهم وبحوثهم التاريخية، خدمة لأغراض إيديولوجية: استعمارية سعيا منهم لخلق تعارض وهمي بين الثقافة العربية: الوافدة والثقافة الصنهاجية: الأصلية، لتصبح الفرنكوفونية البديل المتاح.