تتصدر دواوين الشعر عادة مقدمات أدبية أو تقريظات يكتبها أصحاب تلك الدواوين أو غيرهم من أصحاب الصيت والذيوع بين أهل الأدب ونقده، وهي مقدمات يغلب على وظيفتها التعريف بصاحب الديوان، وموضوعات شعره وعصره الأدبي، وربما ضمت حديثًا عن مذهبه الأدبي وتوجهه الفكري وبيئتيه الداخلية والخارجية، وأثر كل ذلك على شعره، غير أن بعض هذه المقدمات تطول وتَتزيَّد حتى لتضم وجهات نظر خاصة ورؤى ناقدة تعين المتلقي على الفهم وتمنحه بعضًا مما قد يخبئ النص من معان وهبات، وتهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على زمن تلك المقدمات الرصينة ذات المناهج الأصيلة الراشدة، والرؤى القويمة والناقدة، ورأيت المقدمة المطولة بقلم "أحمد أمين" لديوان "حافظ إبراهيم" تفي بذلك كله حيث ما تبديه لـ"أحمد أمين من توجه أدبي ناقد جاء واضحًا فيما ضمته المقدمة من نقد موازن بين "حافظ إبراهيم" وبعض شعراء عصره، وكذلك ما ضمته من نقد فني لأدوات: الخيال، والعاطفة، والصياغة، والأسلوب، والموسيقى، وغيرها عند حافظ، وكذلك ما أورد فيها "أحمد أمين" من نقد تعليلي ومنهج شارح، ونقدات شخصية تمس شخصية صاحب الديوان وتؤثر في تلقي فنه، وعلى ذلك جاءت خطة هذا البحث في مقدمة وخمسة مباحث تحمل عناوين دراسة النقد: "الموازن، والفني، والموضوعي، والتعليلي، والشخصي" في مقدمة الديوان، ثم خاتمة تضطلع بأهم نتائج البحث وما تنطوي عليه من توصيات، وذلك بمنهج تجذيري فاعل يرد كل مبحث لمنهجه الأصيل في النقد قصده صاحب المقدمة أو لم يقصده، مع التقديم له بدرس اصطلاحي موجز يتفق ومقامه، ومنهج بحثي يعي نقد النقد من حيث الموضوع، ويعي كذلك من ناحية الفن والشكل أداء حق الهامش وخدمة النصوص.