ظفرت مصر من خلال أزهرها الشريف باعث أنوار الإسلام باحتضان حضارته التي تُعَد أبقى حضارة، حيث تَكفَّل الله جلَّ جلاله بحفظ دستوره القرآن الكريم الذي يمثل بلغته وعلومه وآدابه أساسًا لتلك الحضارة التي تُعَد كذلك هي الحضارة الأشمل والأمثل، إذ إنها لا تقتصر في العمل على تَحضُّر أهل الإسلام بكل ألوان الثقافة والمعرفة فحسب، بل هي تعمل على تَحضُّر كل بني الإنسان، ولما كان الأزهر الشريف الذي يحمل هذا الدور الجليل إلى شتى المجتمعات بما يلحق بذلك من تبعات يحتاج إلى كل الدعم كي يستمر في أداء رسالته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإنه يحتاج دومًا إلى دراسات متنوعة تتصل بسيرته ومسيرته لتَبيُّن ما يُحسَب له بحق، ويضاف إلى رصيده، وكذا لتَفحُّص الظروف وتحليل الملابسات، والإمساك بكل الأسباب لمزيد تنقيةٍ للحقيقة، وجميل تَجْليةٍ لوجه الحق، وجليل ترقيةٍ لأداء الرسالة، واستمرارٍ حميدٍ للمسيرة ..  ولذا كانت هذه الدراسة عن الأزهر الشريف فن المقال الصحفي بين الواقع والمأمول من خلال مقال نشر في صحافة أربعينيات القرن العشرين للكاتب "أحمد حسن الزيات" نموذجًا، وتسهم هذه الدراسة في الكشف عن جماليات فن المقال وعطاءاته الثرية، ذلك أنه يجمع من خلال بنيته اللغوية بين جدة الموضوعات وطرافتها وأهميتها، وثراء اللغة وطواعيتها وجمالياتها من خلال هذا المقال للأهمية البالغة لجليل موضوعه، ولما قدمه من جِدة في الطرح، وطريف المعالجة، وما اشتمل عليه من رؤى نقدية تتجاوز حدود الذاتية، وما نزع إليه من غايات سامية لا تقف عند حدود محلية، لما تتمتع الرؤى فيه بأبعاد إنسانية راقية ..