الاستفهام أسلوبٌ من أساليب اللغة عامّةً، يراد به في الأصل طلبُ العلم بشيءٍ غير معلومٍ عند المتکلّم. وهو في العربيّة بابٌ متّسع، متعدّد الأدوات، متنوّع الأنماط، مختلف الأغراض والدلالات. ولم يخصّص النحاةُ للاستفهام باباً، ولم يعقدوا له فصلاً يجمعون فيه أدواته، ويبيّنون فيه أحکامه، وکان جلّ حديثهم ينصبّ على الهمزة و (هل) ووجوه استعمالهما وما بينهما من فروق، وأمّا سائر أدوات الاستفهام فکانوا يعرضون لها في سياق موضوعات أخرى غير الاستفهام. وأهمّ القضايا التي توقّف النحاة عندها في موضوع الاستفهام هي:
- اختصاص أدوات الاستفهام بالدخول على الجملة الفعليّة في الأصل.
- الفروق بين الهمزة و (هل).
- الإخبار عن المبتدأ بجملة الاستفهام.
- حذف الفعل بعد أدوات الاستفهام.
- دخول حرف الجرّ على أسماء الاستفهام.
وأمّا البلاغيّون فقد بحثوا الاستفهام في باب مستقلّ، وفصّلوا القول في معناه وأدواته، وبيّنوا التقديم والتأخير مع الهمزة، وکانوا أشدَّ تعمّقاً من النحويّين في استکشاف معانيه البلاغيّة، وکان البحث البلاغيّ في الاستفهام مکمّلاً للبحث النحويّ کاشفاً عن أسراره ولطائفه. ولهذا فإنّي أوثر أن أجمع رأى البلاغيّين إلى رأي النحاة في بيان مسائله وأحکامه، لأنّي أرى أنّ الفصل بين النحو والبلاغة إنّما هو فصل شکليّ، فالنحو هو الأصل الذي يبتدئ منه النظر البلاغيّ، والبلاغة هي الکفيلة بتعميق البحث النحويّ وتسويغ أحکامه وقواعده.