تکشف هذه الدراسةُ عن ظاهرة من ظواهر النزعة المثالية في شعر العباس بن الأحنف، ويُقصد بوجهة النظر المثالية هنا إظهارُ ملامح خُلُق الکتمان -الذي تبين من خلال الدراسة ظهوره بوضوح في شعر العباس- وفق ما تقرّر عند أعلام المثالية والمتأثرين بها من فلاسفة وأدباء ونقاد، متّبعة في ذلک المنهج الوصفي الذي يقوم بتتبّع مواطن الظاهرة وتصنيفها ووصفها وتحليلها واستخلاص النتائج منها.
والکتمان يفرض تَرْکَ الإضرار بالآخرين أو اقترافِ ما يسوؤهم أو يمسّ ذِکْرَهُم بين الناس، وقد ظهرت صُوَرُ الکتمان في شعر العباس متفقةً مع هذا، فإنْ لم يکن يملک إخفاء أمر الهوى في الجملة؛ لتعذِّر ذلک بعد أن تمکّن من قلبه وبَدَا على ظاهره، فإنّه اجتهد في إخفاء اسمها وکَابَدَ القلق والحرص والحرمان وکلَّ ما يترتّب على تحقيق هذا الکتمان، وقد أفلح في ذلک، فلم يُعرف اسمُها ولا هويّتها على وجه الجزم إلى هذا الزمان.
     واقتضت طبيعة البحث تصنيف مادته وفق تمثلات الکتمان الکثيرة في شعر العباس، وقد تبيّن أنّه -أي خُلُق الکتمان- لم يأت لغاية تعليمية، بل هو مکوِّنٌ من المکوّنات الجمالية للفن الشعري عند العباس، وهذا ما عليه أکثر الفلاسفة المثاليين، ويُستثنى منهم کروتشه ومن تابعه