تُمثِّل التَّنمية بأبعادها المختلفة أولوية ملحة للمجتمعات النَّامية وتلک التي تضع خطواتها الأولى على مدارج الارتقاء الحضاري بما لها مِن اتصال وثيق بالإنسان وحياته، کما أنها تُشکِّل مطلبًا ضاغطًا باعتبارها عملية انتقال تاريخي ذات أبعاد مُتعدِّدة، تقتضي تغييرًا في الهياکل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل والثقافية للمجتمعات الإنسانية. وقد شعرت کثير من الدول المتقدِّمة بأهمية التَّنمية، والمشارکة فيها، والاستفادة منها، والتَّفاعل معها، من أجل التَّطوُّر والتَّحديث الَّذي ينعکس نفسه إيجابًا على تنمية المجتمع، والرُّقي بحياته، ورفع مستوى الخدمات، وتفعيل خيراته وموارده في تحسين نوعية الحياة، والتَّخلُّص مِن المشکلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعيق التَّنمية. وفي هذا الاتجاه، فإن دول العالم الثالث التي صنفت ضمن دول العالم المتخلف الذي لم يستطع تکييف طموحاته الاجتماعية مع ظروفه المرتکزة على قدراته غير المستثمرة، مازالت تعتمد على القروض والمساعدات التي أصبحت وبالاً عليها بارتهانها لسياسات صندوق النقد والبنک الدوليين اللذين يعملان لتوسيع السوق الاستهلاکية لمنتجات الدول الغربية المتقدمة وبذلک تصبح عالة على غيرها في فعلها التَّنموي^([i]). وتعيش المجتمعات الإنسانية المعاصرة تحولات هائلة في مجال الاتصال والإعلام کان مِن نتائجها حدوث تغيُّرات کبيرة في أساليب إنتاج المعلومات وتوزيعها وتلقِّيها. فإلى جانب وسائل الإعلام التقليدية، ظهرت تقنيات وأساليب اتصالية حديثة، وانتشرت عن طريقها خصائص ووظائف اتصالية جديدة، من أهمها التَّحوُّل من وسائل الاتصال الجماهيري ذات الاتِّجاه الواحد، والمحتوى المتجانس، إلى تقنيات الاتصال التَّفاعلية ذات الاتِّجاهين، والمضامين المتعدِّدة، وظهر مصطلح "الإعلام الجديد" للتعبير عن هذه الظواهر الجديدة. وقد مثَّل ظهور شبکات التَّواصل الاجتماعي فتحاً ثوريًا، نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة، وأعطى مُستخدميه فرصًا کبرى للتَّأثير والانتقال عبر الحدود بلا قيود ولا رقابة إلا بشکل نسبي محدود؛ إذ أوجد ظهور وسائل التَّواصل الاجتماعي قنوات للبث المباشر من جمهورها في تطوُّر يغيِّر من جوهر النَّظريات الاتصالية المعروفة، ويوقف احتکار صناعة الرِّسالة الإعلامية لينقلها إلى مدى أوسع وأکثر شمولية، وبقدرة تأثيرية وتفاعلية لم يتصوّرها خبراء الاتصال. مِن هنا سعت هذه الدِّراسة لاستجلاء حقيقة الدور الَّذي لعبته أو يمکن أن يلعبه موقع الفيسبوک في تناول قضايا التَّنمية.
لتَّنمية، ط1، دار المسيرة للنشر والتَّوزيع، عُمان، ص 6 .