يمثل الباعة الجائلون أحد مجالات الأنشطة الاقتصادية الأکثر وضوحًا وتهميشًا بين الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، وهى الأکثر انتشارًا فى جميع دول العالم سواء فى البلدان المتقدمة أو النامية، والأکثر أهمية فى الاقتصاد الحضرى؛ حيث توفير فرص العمل والدخل، وتوفير الخدمات للآخرين، فضلاً عن مساعدة العديد من الصناعات الصغيرة على الازدهار من خلال تسويق منتجاتها، وقد تم تعريفها بطرق متنوعة من قبل العديد من الباحثين والمهتمين بهذا المجال، فالبعض أطلق عليها الاقتصاد غير الرسمى Informal Economy أو الاقتصاد السرى أو الخفى Hidden Economy أو القطاع غير الرسمي Informal Sector، وعلى الرغم من ذلک إلا أن هناک مجموعة من السمات التى تميزها عن غيرها من الأنشطة الاقتصادية، ويأتى فى أولها مکان تداول السلع، فلا يوجد لها مکان محدد ويتم البيع فى الشارع وعلى الأرصفة وفى الأماکن العامة کالحدائق والمواصلات العامة والميادين العامة وغيرها، ويکون العمل دون تصريح رسمي وبدون ضرائب، کما لايوجد هياکل بنائية ثابتة (أسواق رسمية) لممارسة تداول السلع والخدمات.
وبالرغم من الدور الديناميکى الذى تلعبه الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية وبصفة خاصة أنشطة الباعة الجائلين فى الاقتصاد الحضرى، من خلال دورها فى توفير فرص العمل والدخل للعمالة الحضرية، ودورها الأساسي فى تلبية احتياجات السکان فى المناطق الحضرية کافةً؛ حيث سهولة الوصول إلى السلع والخدمات المتنوعة فى الأماکن العامة من المدن فى جميع أنحاء العالم، وتتمثل تلک السلع فى:(الفواکه والخضراوات والملابس، وقطع غيار السيارات وأدوات الإنتاج، والأجهزة الإلکترونية، ولعب الأطفال، والأطعمة الجاهزة وغير الجاهزة)، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الباعة الجائلين يشکلون مابين 2% : 24% من إجمالى العمالة غير الرسمية فى المناطق الحضرية فى إفريقيا وآسيا ومدن أمريکا اللاتينية، حيث تولد أنشطتهم الطلب الرسمي وغير الرسمي على الموردين، وتقدم فرص عمل للحمالين والحراس وشرکات النقل، وتقدم عائدات للحکومات المحلية فى العديد من البلدان لاسيما إفريقيا(Roever,2014: 1)، ورغم الزيادة المستمرة  والنمو المتسارع فى حجمها؛ إذ تشهد انتشارًا واسعًا فى جميع الأحياء الشعبية والمتوسطة والراقية، إلا أن أجهزة الدولة ومؤسساتها تعتبرها عبئًا على الأمن القومى والنظام العام فى المناطق الحضرية؛ ومن ثم أصبح هناک صراعات بين هؤلاء الباعة والجهات الرسمية المختلفة، يضاف إلى ذلک عدم وجود بيانات رسمية دقيقة حول هذا الموضوع، مما أدى إلى ترکز الاهتمام البحثى حول أنشطة القطاع غير الرسمي الخاصة بالتصنيع والإنتاج غير الرسمي، وتراجع الاهتمام إلى حد کبير بهذه الفئة من أنشطة البيع المرتبطة بالشارع والرصيف والتجوال.
کما ترکز الاهتمام البحثى فى دراسة الباعة الجائلين على قضايا معينة دون غيرها، فکان هناک اهتمام بتحليل الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئات من ممارسي تلک الأنشطة غير الرسمية،  والاهتمام بمتغير النوع کمتغير أساسي لفهم ديناميات العمل غير الرسمي، وکذلک الاهتمام بالأبعاد القانونية المنظمة لشئون الباعة الجائلين(محمد حافظ، 1996: 484)، وکان هناک ندرة فى الاهتمام بدور رأس المال الاجتماعى والشبکات الاجتماعية فى نمو وازدهار مثل تلک الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، وعدم الاهتمام بالبعد المکانى لأنشطة البيع فى الشارع والصراعات التى تنشأ نتيجة لاستخدام الفضاء العام من قبل هؤلاء الباعة الجائلين، وتأثير ذلک على التخطيط الحضرى والسياسات الحضرية بصفة خاصة، والمجال العام بصفة عامة، باعتبار أن الفضاء الحضرى ملکية عامة للجمهور العام، بينما يمثل مصدرًا لرأس المال المادى الذى يستخدمه الفقراء فى المناطق الحضرية من أجل حياتهم المعيشية.
أولاً: أهمية الدراسة فى ضوء التراث البحثى:    
       من خلال استقراء عدد من الدراسات السابقة عالميًا، اتضح أن الباعة الجائلين تلعبون دورًا ديناميکيًا فى الاقتصاد الحضرى بصفة خاصة، حيث توفير الاحتياجات الضرورية للمستهلکين وخاصة من فقراء الحضر وتوفير المنتجات والسلع الضرورية بأسعار مناسبة، وتوفير فرص عمل للکثيرين، والمساهمة فى زيادة دخل الأسر المتوسطة والفقيرة، بالإضافة إلى مساعدة العديد من الصناعات الصغيرة أن تزدهر من خلال تسويق منتجاتها، ومن ثم فإن الباعة الجائلين تمثلون حلاً لبعض المشکلات التى يعانى منها سکان المناطق الحضرية الفقيرة،  وبالرغم من ذلک إلا أن  حياتهم العملية  Working Lifeتواجه الکثير من المضايقات والتوترات المستمرة من قبل الحکومات المحلية والسلطات الرسمية المدنية؛ کما يفتقدون لشروط الأمن والسلامة فى مواقع عملهم، وأکدت على ذلک الکثير من الدراسات فى العديد من دول آسيا وإفريقيا.