کانت ليبيا تابعة للدولة العثمانية وتدار شئونها السياسية من استانبول مباشرة منذ سنة 1835م أو ما يعرف بالعهد العثماني الثاني، حيث کان السلطان العثماني يعين والياً عثمانياًّ ويرسله بفرمان إلى ليبيا "ولاية طرابلس الغرب"، وقد تناوب على الحکم بطرابلس في مدة لا تزيد على 76 سنة ما بين "1835 -1911م" 33 والياً([1])،لم تشهد البلاد في عهدهم أية إصلاحات کبيرة، وإن تحسنت حالة الأمن بعض الشيء في البداية بعد القضاء على الانتفاضات الداخلية، کما اهتم بعض الولاة ببناء المساجد والمدارس والزوايا القرآنية، بحيث يمکن القول أن سلطة الإدارة الفعلية کانت مقتصرة في معظم الأحوال على المدن الساحلية([2]).
تأثرت الأوضاع السياسية بظروف متعددة داخلية وخارجية، حيث أن الفئة الحاکمة بالبلاد کانت في الغالب ترکية، واقتصرت علاقاتها على الأعيان من أهل البلاد الذين بهمتربطهم مصالح شخصية، وسياسية ينفذون من خلالها أهدافهم، والتي من أهمها المحافظة على مکانتهم السياسية والإجتماعية والإقتصادية دون اعتبار لمصالح المواطنين([3])،وقد ساهم هذا الوضع في مجيء الإيطاليين فتمکنت السلطات الإيطالية من الاتصال ببعض الزعامات التقليدية في الفترة ما بين 1908 – 1911م، واستقطابها حتى تمکنت هذه السلطات من إنجاح برنامج تدخلها السلمي في شؤون البلاد.
سار التدخل السلمي لإيطاليا في شؤون ليبيا، دلک لأهمية موقع ليبيا الهام بالنسبة لإيطاليا واستغلال أراضيها في تحقيق أهدافها التوسعية والاستيطانية، بتشجيع هجرة الإيطاليين إليها وإحياء الثرات الروماني، واتخاذها منفي للسجناء الذين بلغ عددهم ما يقرب من 7 ألف شخص([4])، وکدا حل مشکلة المهاجرين([5])، وبذلک أرادوا التدخل السلمي دون استخدام القوة العسکرية، وخاصة بعد تحييد الدول الکبرى، مثل فرنسا، وبريطانيا، رغم أطماعهما التوسعية تجاه ليبيا.
عمدت الحکومة الإيطالية إلى استعمال ثلاث وسائل رئيسية في تطبيقها لسياسة التغلغل السلمي في البلاد تمثلت في:الاهتمام بالجالية الإيطالية بليبيا، ثم فتح فرع لمصرف روما بطرابلس، وأخيرا إرسال البعثات الاستکشافية إلى ليبيا.
[1]- مصطفى حامد ارحومة، المقاومة الليبية الترکيةضد الغزو الإيطالي أکتوبر 1911،م.ج.ل.ط ، 1988 ، ص29.
[2]- صلاح العقاد، ليبيا المعاصرة، المطبعة الفنية الحديثة، بيروت، لبنان، ص ص27_ 29.
[3]- الطاهر أحمد الزاوي، جهاد الليبيين الأبطال في طرابلس الغرب، ط3 ، دار الفتح ، بيروت ، 1973 ، ص ص69، 70.
[4]- أحمد صدقي الدجاني، ليبيا قبيل الاحتلال الإيطالي 1882_1911م المطبعة الحديثة، بيروت ،1971م ص325.
[5]- مصطفى حامد ارحومة، مرجع سابق ، ص61.