إن السُّنة النبوية هي مصدر التشريع الإسلامي مع القرآن الکريم، ولا غنى عنها لمعرفة دين الله ومقاصده في کتابه الکريم، وقد جاء الإسلام - قرآنًا وسُنَّةً - بالمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدِّين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب؛ لأنه لا بد منها في قيام مصالح الدِّين والدنيا، ولا يستقيم نظام إلا بوجودها وتحصيلها، ثم إن السنة النبوية قد عُنيت بالفکر عناية فائقة، فَشرعتْ من الأحکام ما يجلب المصالح له، ويدفع المفاسد عنه، وقد حفلت السُّنة المطهَّرَة بأحاديث کثيرةً تظهر اهتمامًا بالغًا برعاية الفکر المسلم وبنائه على أسس قويمة، خاصة عند وقوع الأزمات العَقدية والفکرية ومواجهة الأفکار المضلِّلة، وقد وضعت السنة النبوية منهجًا متميزًا فريدًا في البناء الفکري للمسلم بوسائل غاية في الکمال، تشمل الجوانب الإيمانية والوجدانية والاجتماعية والدعوية والفکرية والعلمية وغيرها.
وتتلخص أسباب اختيار هذا البحث في عدة أسباب، منها: انتشار ظاهرة الانحراف الفکري حتى تَحَوَّلَ ذلک إلى مشکلة تمثل خطرًا داهمًا على المجتمع. وبراعة المنهج النبوي في بناء الفکر المسلم، حيث إن المنهج النبوي يمثل أقوم المناهج في بناء الفکر، إذْ إنه مِن هَدْي خير العباد - صلى الله عليه وسلم – الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيُ يُوحَى. ودِقَّة السُّنة النبوية في رعاية الفکر وبنائه على أسس قويمة، حتى يعيش المجتمع في أمن وأمان.
کما تکمن أهمية هذا البحث في عدة أمور، منها: أنه بحث حديثيٌّ لموضوع متعلق بأخطر قضايا المجتمع المسلم خاصة والإنساني عامة. وإبراز ما تضمنته وتميزت به السُّنة النبوية في مجال بناء الفکر کَحَقٍّ مِن حقوق الإنسان. والإسهام في صَدِّ الهجمة المواجهة ضد الإسلام ووَصْفِه بأوصاف هو بريء منها، مثل وصفه بأنه: "دين التطرف والإرهاب، وأنه دين دموي يقوم على إزهاق الأرواح وقتل الأبرياء!".
ويهدف هذا البحث إلى تحقيق عدة أمور، منها: التعريف بالمنهج النبوي في البناء الفکري الإسلامي. والوقوف على ما ورد في السُّنة المطهرة حول أسس بناء الفکر ورعايته. وإبراز الدور العظيم للسُّنة النبوية في إقامته المجتمع على أسس من السِّلم العام الذي يشمل المسلمين وغيرهم ممن يعيشون في الدولة المسلمة.