إن الله تعالى قد خلق الکون على نظام مُحْکَم ، کل شيء فيه قائم على التقدير الدقيق, والترابط والتکامل ، والبيئة الطبيعية جزء من هذا الکون ، ونصوص الشريعة توضح لنا بما لا يقبل الشک أن للبشر يداً في تلويثها وتخريبها وتعطيل الحياة فيها, ويعتبر تلوث البيئة من أبرز قضاياً العصر الحديث ، ومن أهم المشکلات التي أولتها دول کثيرة اهتماماً بالغاً کما عقد من أجلها العديد من المؤتمرات والندوات على الصعيدين الدولي والمحلي ، ولقد کان للإسلام السبق في حماية البيئة والمحافظة عليها ، قبل الحکومات والمؤسسات الدولية ، والقوانين السابقة واللاحقة ، فقبل اليوم بأکثر من ألف وأربعمائة عام وضع القواعد والتشريعات التي تضمن حمايتها والعناية بها ، وصيانة عناصر الحياة فيها ، وقد ترجم الفقه الإسلامي هذه القواعد والأحکام إلى ممارسات عملية .
فمن الأحکام التي أقرها الإسلام لحماية المياه : مراعاة حريم مصادرها, ومنع الاعتداء عليه ، فيهدم ما يبني فيه ولو مسجداً ، وذم السَّرَف والتبذير في الماء لما فيهما من استنزاف المصادر ، وهدر الطاقة ، ورتب على تلوث المياه عقوبات شديدة في الدنيا والآخرة .
واعتبر الإسلام أن المحافظة على الهواء نقياً خالصاً جزءاً من المحافظة على الحياة نفسها التي هي مقصد أساسي من مقاصد الشريعة ، وسبق علماء البيئة في العناية بخلو الهواء من الملوثات ، وللحد من تلويث الهواء دعا إلى تشجير الأرض وزراعتها, ونهى عن تقطيع الأشجار لغير حاجة ، لدورها في توازن غازات الجو .
ووجّه الإسلام نظر المسلمين إلى ضرورة العناية بالأرض فحث على إزالة النفايات والملوثات منها ، ونهى عن الإفساد فيها, وحث على مکافحة التصحرّ عن طريق الدعوة إلى إحياء الأرض الموات, وحض على العمارة بالعمل والتنقيب عن موارد الرزق في البر والبحر، وإقامة المدن والقرى والمصانع .
ولأهمية الحيوانات في حياة الإنسان حث الإسلام على الرفق بها ورعايتها والعناية بها وحمايتها ، ويتضمن الفقه الإسلامي أحکاما کثيرة للتعامل مع الحيوان, بعضها حافظة لوجوده ، وبعضها للرفق به .
ولأهمية النبات في عمارة الأرض ، وقيام الحياة ، والحفاظ على البيئة, حث الإسلام على الزراعة والغرس وأخبر صلى الله عليه وسلم ، بثواب ذلک للمُسلم ، ما دام الغَرس أو الزّرْع مأکولاُ منه ، ولو مات زارعه أو غارسه ، ولو انتقل ملکه إلى غيره, وما کان من النبات قائماً ، فقد عُنِي بحمايته مِن الفساد ، وإبقائه للبهجة والارتفاق, ومن وسائل ذلک: منع التعدي عليه ، وتخصيص محميات طبيعية له .
فغاية الإسلام من المحافظة على البيئة وعمارتها : تحقيق مصلحة عباد الله کافة .