يشهد العالم المعاصر مرحلة تحول اقتصادية کبيرة لا تعتد بالحواجز السياسية والجغرافية والثقافية والاقتصادية, فاحتياجات المستهلکين حتى لو اختلفت ثقافاتهم واحدة وأسواق دول العالم تقاربت لتشکل سوق عالمي کبير , وبالتالي کانت الحاجة إلي وجود مؤسسات کبيرة لتواجه التحديات والتهديدات العديدة التي أفرزتها متغيرات کثيرة في عالم سريع التغير.
فأمام هشاشة بنية المؤسسات الاقتصادية في الدول النامية التي لا تستطيع مواجهة هذه التحديات ، هو ما أدي لاستخدام بدائل إستراتيجية سواء کانت هذه البدائل تستهدف سد فجوة معينة أو أن تلک البدائل تهدف لعلاج جوانب الضعف أو تقوم باستغلال عناصر القوة, ولعل من أهم هذه البدائل نشوء التحالف الاستراتيجي بين الشرکات الذي أعتبر کحل أساسي يساعد ويساهم في نمو وتطور المؤسسات الاقتصادية بدلا من وجود الصراع والمنافسة بينها .
ومع زيادة توجه الشرکات نحو تحسين وضعها التنافسي خلال الأعوام الماضية تضاعفت اتفاقيات التحالف المبرمة بين المؤسسات، وظهرت بجلاء علي الساحة الشرکات المتعددة الجنسيات، ففي ظل تحرير التجارة الدولية وانفتاح الأسواق أمام المنتجات العالمية، وتطبيق آليات السوق، ظهرت الشرکات العملاقة متعددة الجنسيات([1]) .
إذ إنه وفي مواجهة التحديات والمتغيرات الجديدة لم تعد المنظمات الاقتصادية تستطيع أن تعتمد على الانفراد بقدراتها سواء الإنتاجية أو التسويقية ، وذلک لازدياد حدة المنافسة وازدياد عدد المؤسسات الاقتصادية وازدياد نشاطها ، خاصة في المجال الصناعي إذ إن أجزاء المنتج الواحد من الممکن أن تُصنّع في عدد من الدول ليتم التجميع في المؤسسة الأم , وکذا لتعدد الأسواق وانتشارها في العالم ، لم يعد بإمکانها الاعتماد على قدراتها الذاتية فقط ، خاصة وأن المنافسة الشديدة قد تؤدي إلى خروجها من السوق ، وهو ما أدي إلي اللجوء إلي تکوين الشرکات المتعددة الجنسيات .
وتشکل الشرکات المتعددة الجنسيات في العصر الحديث القوة المحرکة للنظام الاقتصادي الدولي فهي قوة هائلة في الاقتصاد العالمي ، وهي ظاهرة اقتصادية مهمة في مجال العلاقات الدولية تؤثر في الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم ، وتمارس الشرکات متعددة الجنسيات عملها من خلال شبکة کبيرة من الهياکل التنظيمية وتعد المحرک الرئيسي لظاهرة العولمة التي تمثل المؤشر الرئيسي لمعدل النمو والتنمية في مختلف دول العالم.
ويحظى نشاط الشرکات متعددة الجنسيات بأهمية کبيرة علي صعيد کل من السياسة والاقتصاد ، کما اهتمت به تقارير العديد من المنظمات الدولية ، وعلى رأسها تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD حول الاستثمار العالمي .
ونظرا لهذه الأهمية أردنا أن نفرد هذا البحث للنظام القانونى للشرکات متعددة الجنسيات وإلقاء الضوء عليها من حيث التعريف بها وبأشکالها القانونية وخصائصها وطرق تکوين الشرکة متعددة الجنسيات والأساس القانوني لها .
([1]) في مضمون ذلک يراجع ، د/ مصطفي سلامة حسين ، التنظيم الدولي للشرکات متعددة الجنسية ،دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1982 ، ص 7 وما بعدها .