لقد اقتضت حکمة الله – تعالى - من التشريع تحقيق المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم، بل هذه الحکمة هي الغاية الکبرى والمقصد الأسمى من التشريع، فالشريعة بما حوته من أحکام الحلال والحرام ، وطلب الفعل والترک هي في حد ذاتها مصلحة ومصالح ، ولکن هذه المصالح لا تظهر ثمرتها وتتضح إلا إذا التزم العباد بأوامر الشريعة ونواهيها وداروا في فلکها، فإذا خرج العباد عن هذا الإطار الرباني والفلک الشرعي وقعوا في حرج وضيق وأزمة على کل المستويات العبادية، والأخلاقية، والنفسية والمعيشية وهکذا.
وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المجتمعات، فإذا کان المجتمع بمؤسساته المالية وغيرها يراعى الحلال والحرام، ويدور في فلک الأوامر الربانية انضبطت حرکة المجتمع ويسرت أموره ، أما إذا انحرف المجتمع عن هذه الأوامر الربانية وقع في حرج وضيق وأزمات لا حصر لا لها على کل مستوياته ومؤسساته.
والأزمات التي قد يتعرض لها المجتمع کثيرة ومتنوعة، وأخص بالذکر في المقام الأول المجتمع المسلم لأنه المخاطب الأول بهذه الأوامر الربانية، وتدخل المجتمعات غير الإسلامية في الخطاب إذا أرادت أن تقي نفسها شر الوقوع في هذه الأزمات أو إذا أرادت أن تعالج مشکلة وأزمة وقعت فيها بالفعل.
وليست الأزمة المالية التي تعرض لها العالم منذ فترة وجيزة من الزمن ببعيدة عنا، فقد ثبت لدى المتخصصين والمنصفين من أهل الغرب في المعاملات المالية أن حل هذه الأزمة يکمن في تعاليم المسلمين المالية.