تقوم هذه الدراسة بتقويم ودراسة المبادئ والقواعد التي تُنظم المحاکمات الواردة في نظام العقوبات العسکري السعودي الصادر بالإرادة السنية (الملکية) في سنة 1366هـ، وکما يظهر من هذا التاريخ أنه بعيد عهد من ناحية صدوره؛ لذا فإن مشکلة الدراسة تضع في حسبانها ما حدث من تطور يدعو إلى إعادة النظر في هذا النظام الذي ينظم فئة مهمة وهم (منسوبو وزارة الدفاع) عندما يرتکبون جرائم لها مساس بالقوات المسلحة.
کما أن نظام العقوبات العسکري يتميز – شأنه شأن القوانين العسکرية الأخرى – بسمات وخصائص تميزه عن غيره، لما له من ذاتية وطبيعة خاص. فهو قانون جنائي بالنظر إلى نصوصه هذا من ناحية، ولکنه خاص بطائفة معينة هي کافة ضباط وأفراد القوات المسلحة – حتى المتقاعدون منهم – بل يمتد ليطبق على کل شخص يرافق الجيش إلى معسکراته أو ميادين القتال. ولا مراء في أن نظام العقوبات العسکري يشتمل على أحکام عامة تختلف عن الأحکام العامة في نظام العقوبات الذي يطبق في الحياة المدنية. کما أنه يستقل بمجموعة من الجرائم وأيضاً الجزاءات التي لا تعرفها قوانين العقوبات العادية مثل: الطرد من الخدمة العسکرية، أو تنزيل الرتبة[1]، أو غير ذلک مما لا يوجد في قوانين العقوبات الجنائية العادية. فهو – إذاً – قانون عقابي خاص[2]. لذلک ينص نظام القضاء في المملکة العربية السعودية على أن المحاکم الشرعية هي المحاکم ذات الاختصاص العام في المنازعات والجرائم، إلا ما يستثنى بنظام[3]. وقد نصت الفقرة ذات الرقم (1) من تاسعاً من على " مع عدم الإخلال باختصاصات اللجان المستثناة المنصوص عليها في الفقرة (2) من القسم الثالث (أحکام عامة) من هذه الآلية تنقل إلى القضاء العام- بعد تعديل نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية وصدور نظام المرافعات أمام ديوان المظالم والعمل بموجبه- اختصاصات اللجان شبه القضائية التي تنظر في قضايا جزائية أو منازعات تجارية أو مدنية، وتتولى اللجنة المشکلة في هيئة الخبراء- خلال مدة لا تتجاوز سنة من تاريخ نفاذ نظام القضاء - مراجعة الأنظمة التي تأثرت بذلک، واقتراح تعديلها وفقا للإجراءات النظامية اللازمة لذلک، کما تتولى دراسة وضع اللجان شبه القضائية التي تنظر في منازعات إدارية وتکون قراراتها قابلة للتظلم أمام ديوان المظالم واقتراح ما تراه في شأنها.[4]
ومن هذا الاستثناء الوارد في النظام آنف الذکر، نظام العقوبات العسکري الذي تحتوي نصوصه على بيان الجرائم العسکرية، وجرائم العسکريين عامة، فضلاً عن اختصاصه ببعض جرائم أمن وسلامة الدولة کالجنايات العسکرية الکبرى. وتتسم الحياة العسکرية بمبادئ أساسية کالانضباط والطاعة والسرعة في الإجراءات وفي فرض عقاب رادع على المخطئ بعد الإدانة وهو ما انعکس على نظام العقوبات العسکري حيث يتسم بنفس السمات، فيلاحظ فيه السرعة في مساءلة المدان وفرض عقاب رادع عليه، کما أنه يُعنى بالحفاظ على أمن وسلامة القوات المسلحة التي هي في ذات الوقت سلامة الوطن. کما يتسم نظام العقوبات العسکري بسمة أخرى، وهي الطبيعة المزدوجة للقضاء العسکري الذي يختص بکل من الجانب التأديبي والجانب الجنائي. ومما يؤسف له أن الدراسات القانونية قد بعدت طويلاً عن هذا النظام تحت تأثير الخصوصية التي تتصف بها الشئون العسکرية مما دفع الباحث لاختيار موضوعه آملاً في دراسة جانب هام من النظام العسکري ألا وهو المحاکمات التي تجري فيه لبيان المبادئ العامة التي تحکم تلک المحاکمات، للوقوف على أوجه الضعف والقوة في هذا النظام؛ وبناءاً على ذلک، فإن مشکلة الدراسة تتبلور في قدم عهد نظام العقوبات العسکري السعودي، وبعد الدراسات العلمية والبحوث القانونية عنه.
[1] مصطفى، محمود محمود، (1971م)، الجرائم العسکرية في القانون المقارن، القاهرة: دار النهضة العربية، ص15.
[2] الشهاوي، قدري عبد الفتاح، (1976م)، النظرية العامة للقضاء العسکري، مصر: الإسکندرية، منشأة المعارف. ص49.
[3] المادة (26) من نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملکي رقم م/64، في 4/7/1395هـ، والمعدل بالمرسوم الملکي رقم م/76 في 14/10/1395هـ، وبالمرسوم الملکي رقم م/4 في 1/3/1401هـ، وقد ألغي هذا النظام بصدور نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملکي رقم م/78، في 19/09/1428هـ.
[4] تمت الموافقة على آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء ونظام ديوان المظالم بالمرسوم الملکي رقم م/78 وتاريخ 19/09/1428هـ.