لا شک أن للطب والأطباء دور بارز في حفظ الصحة البشرية وعلاجها من الأمراض. ولما کان تدخل الطبيب في جسم الإنسان غالبا ما يتطلب مساسا بسلامته الجسدية کحالات الجراحة أو التشريح، فإن ثمة إشکالية قائمة حول مضمون ونطاق العمل الطبي الممهور بالشرعية.
فيعتبر عمل الطبيب المحرک الأول لمسؤوليته، سواء کان مناسبا للأصول المعروفة في الطب أو مجافيا لها. وفي الوقت المعاصر، يعرف العمل الطبي تحولات جذرية وهامة، يمکن تشبيهها بالانصهارات والحمم التي تسبق ثوران البرکان. إذ أن مضمونه ظل يتغير ويتطور بتطور الأفکار والمراحل التي بات يشملها تحت نطاقه، رغما عنه، بحکم الثورة الطبية الهائلة التي تعرفها البشرية، وما نجم عن تزاوج الطب بمختلف جزئيات العلوم التجريبية والدقيقة.
وقد شغل مفهوم العمل الطبي تفکير العديد من الباحثين من فقهاء وأطباء، من حيث اختلاف زوايا النظر إليه: إنسانيا، أخلاقيا، طبيا وقانونيا. وکل زاوية تسعى لضم هذا المفهوم إلى نطاقها والتأثير عليه بخصائصها. فمن الجانب الإنساني و الأخلاقي تطفو إلى السطح ضرورات احترام الکيان البشري والمعاملة الحسنة. وعلى الصعيد الطبي، يسعى الأطباء لبيان کل مراحل العمل الطبي وإظهارها بحيث لا تهمل مرحلة على حساب أخرى، والسعي لتضمين التطورات الطبية المعاصرة في نطاقه. أما مسطرة القانون فتهتم بمبررات ومسوغات احترام کرامة الإنسان وحماية حقه في الصحة والعلاج.
وعلى ضوء هذه الرؤى أحاول تفصيل کل المضامين المطروحة للعمل الطبي، ببيان تعريفاته المختلفة (مبحث أول)، ثم نطاقه أو مراحله التي يمر بها (مبحث ثان).