فى المبحث الأول والثاني : فقد توصلت فيهما إلى ما يأتي
1 – أن الإسلام أنقذ المرأة من أن تعتبر متاعا يباع ويشتري وأقر لها شخصية إنسانية تتمتع بقدر من الحرية فجعلها هي والرجل سواء فى الحقوق والواجبات الزوجية کما جعل له عليها درجة القوامة والإشراف وهذا کله يحسب للمرأة بعد ما کانت محرومة من کافة الحقوق زمن الجاهلية
2 – أقر الإسلام حرمة الاضرار بالزوجة لتفتدي نفسها من زوجها بالمال على الطلاق ، کما حرم أخذ شئ من مهر المرأة عند الطلاق بدون مسوغ شرعي يبيحه الإسلام کما حرم الاعتداء على المرأة بالظلم والاستبداد وأوجب الإحسان إليها وصحبتها بالمعروف.
3 – إثبات حق المرأة فى الميراث وتقريره لها بعد أن کانت محرومة منه زمن الجاهلية حيث کان الذي يورث هم الذکور دون الإناث وفى اثبات هذا الحق حماية لها من الظلم الواقع عليها فى زمن الجاهلية فهي ترث من والديها وأولادها وأخواتها وإخواتها وأجدادها وأعمامها وزوجها وغير ذلک من سائر الأقارب .
وقد جاء القرآن الکريم يؤکد ذلک ويقرر نصيب المرأة فى قوله تعالي : " للرجال نصيب مما ترک الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترک الوالدن والاقربون مما قل منه أو کثر نصيباً مفروضاً "
4 – أعطى الإسلام المرأة الحق فى العلم والعمل وذلک بما يتناسب مع طبيعتها البشرية فلم يفرق بين المرأة والرجل فى الأحقية بالتعليم فرسالة النبي صلي الله عليه وسلم هي للناس کافة ذکوراً وإناثاً وهي رسالة تعني بالتعليم وتجعل طلبه فريضة ، ولقد خطيت المرأة فى الإسلام بتاريخ مشرق فى العلم والتنوير ولما له من دور فى تحقيق نهضة الأمة ، ولکونه عونا لها على فهم دينها ومعرفة الأحکام الخاصة بها وتعليم بنات جنسها وجعل لها حرية العمل فى کافة المجالات التي تتناسب فطرتها وقوتها وبما يضمن کرامتها وسلامتها وذلک ووضع ضوابط لابد من الإلتزام بها.
وتحقيقا لروح الالفة والمودة التي تعم الحياة الزوجية فالحياة الزوجية تقوم على التعاون والاحساس بالمسئولية المشترکة خصوصا وان الزوجة لم يأمرها الشارع بما تعجز عن عمله بل ترک ذلک إلى قدر استطاعتها وتعاونها مع زوجها .
6 – کرم الإسلام المرأة فى جميع مراحل حياتها ، کرمها فى مرحلة الجنيبن بحق الحياة ، کرمها بنتاً بتربيتها وحسن تأديبها وإلزام وليها بالنفقة عليها وصونها ، کرمها اماً فأوصي ببرها والإحسان إليها، وکرمها زوجه فأوصي بها وبحسن معاشرتها وکرمها کأنثى بصفة عامة فأهتم بحفظها وصيانتها.
7 – حدد الإسلام طريقة تلبية الرغبة الجنسية وحصرها فى الزواج وفتح کل الابواب الميسرة له ، وأغلق الأبواب الأخرى ، وجعل تلبية هذه الرغبة بهذا السبيل نعمة من نعمه يعقبه النسل الطيب الذي يري فيه الزوجان قرة أعينهما وامتداد حياتهما .
وفى المبحث الثالث
8- ندب الشارع الحکيم کل طرف منهما أي الزوجين إلى حسن إختيار الطرف الأخر بحيث تتوفر فيه مجموعة من الخصال الکريمة والصفات الحميدة التي تحبب کل طرف فى صاحبه مما يجعله مألوفا لديه قريبا من قلبه لتستمر العشرة وتدوم المودة وتتحقق الرحمة والسکنية التي أشار إليها المصطفي صلي الله عليه وسلم فى قوله (حتى يؤدم بينکما).
وفى المبحث الرابع :
9 – بينت فيه أن المقصود من شرعية الزواج انتظام مصالح کل من الزوجين بالآخر ، وهذا لايتحقق کما ينبغي إلا بين متکافئين فالکفاءة معتبرة فى النکاح ، لأن ذلک ـ يجعل الحياة الزوجية مستقيمة ، فلا تتعالي الزوجة على زوجها ولا تستهين به فتبتغى القوامة وبذلک تسوء الحال وتضطرب الحياة الزوجية وينهار کيانها .
10 – کما بينت أيضاً أن الکفاءة حق للمرأة وأوليائها وليست حقا لله تعالي فيجوز لهم اسقاط حقهم فيها وأن تفاوت الناس فى الصفات والمال فطرة الهية يجب مراعاتها لاستقامة الحياة فکلما کان الزوجان متقاربين کلما کانت فرص استمرار الزواج ودوامة أمکن وأکثر لتقارب الزوجين فى الفکر والوجدان والعادات والرضا النفسي .
وبذلک نرى اشتراط الکفاءة فى الزواج لا تعتبر نوعا من الطبقة لان الطبقية تفاوت الناس فى الحقوق والواجبات وقد حرم الإسلام ذلک ، وسوي بين الناس جميعا فى الحقوق والواجبات
اما الکفاءة فى الزواج الهدف منها استمرار الزواج ودوامة کما وضحت وهي حق للزوجة ولأوليائها وليست حقا لله تعالي فيجوز لهم إسقاط حقهم فيها .
فى المبحث الخامس :
11- تکلمت عن المهر باعتباره أثر من آثار عقد الزواج وبينت أن المهر مشروع بالکتاب والسنة والاجماع والقياس ، وصحة عقد النکاح اذا لم يذکرالمهر وذلک للتيسير على الزوجين فلورود الأدلة التي تعضد ذلک عند جمهور الفقهاء .
ولکن إذا لم يکن المهر شرطا لصحة عقد النکاح آلا أنه يستحب آلا يعرى النکاح من تسمية الصداق وذلک لان النبي صلي الله عليه وسلم کان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج ولم يکن يخل النکاح من الصداق وذلک لادخال البهجة والسرور على قلب المتزوجة.
12 – أن المهر عطية للمرأة يعطي لها عن طيب نفس وذلک لأن هذا المعني أسمي من المعني الذي لا حظه القائلون بأن المهر عوض عن البضع وثمن له إذ أن الصلة بين الزوجين أعلى وأشرف من الصلة بين الرجل وفرسه أو جاريته ، ولذلک قال سبحانه وتعالي "نحلة" فالذي ينبغي أن يلاحظ هو أن هذا العطاء آية من آيات المحبة وصلة قربى وتوثيق عري المودة والرحمة کما أن جعل المهر عطية للمرأة فيه أعزازا لها وصيانة لها عن کونها منفعة تؤجر وتأخذ على ذلک أجراً من الرجل وخاصة أن الإسلام قد رفع من شأنها وصان کرامتها بنت وزوجة وأما وغير ذلک .
وفى المبحث السادس
13 – تحدثت عن النفقة باعتبارها اثر من آثار عقد الزواج أيضا وبينت أن النفقة واجبة للزوجة على زوجها وقد ثبت ذلک بالکتاب والسنة والاجماع والمعقول وبنيت الحکمة من مشروعية النفقة للزوجة ـ وذلک نظير الاحتباس لحق الزوج مع التمکين الناشئ عن عقد الزواج وبينت أيضاً أن النفقة تعتبر بالکفاية فهي غير مقدرة بمقدار معين بل هي بقدر الکفاية لأن الأزمان تختلف والأطعمة تختلف من مکان إلى آخر وتختلف قيمتها تبعاً لذلک .
المبحث السابع :
وکان فى بعض المزاعم التي نسبت إلى الإسلام والرد عليها
14- بينت فيه أن الإسلام لم يبح تعدد الزوجات على النحو الذي عرفته حضارات الماضي ، بل حدده بعد أن لم يکن محددا ونظمه بعد ان کان لا نظام له وقيده وکان من قبل ذلک مطلقا وکانت اباحة الاسلام للتعدد من منطلق المصلحة العامة التي تمليها ظروف الحياة .
فإذا أباح التعدد فإنما لحکمة يعلمها هو سبحانه وحتى تتضح بعض جوانب الحکمة فى هذا الامر نراه قد احاط التعدد بالحقائق التالية : ـ
- ان الله ـ جل شانه ـ أباح تعدد الزوجات ولم يجعله واجباً .
- ان الله امر بالعدل بين الزوجات وعدم الحيف على واحدة دون غيرها.
- عند الخوف من عدم العدل امر بالاقتصار على زوجة واحدة
- ان الله عندما اباح التعدد لم يکن الهدف منه إشباع الرغبة الجنسية عند الرجل فحسب وإنما کانت هناک أشياء قد تحمل الرجل على ان يتزوج بأکثر من واحدة وقد بينت هذه الدواعي من موضوعها من البحث.
15 – بينت أن الاسلام ليس أول من سن الطلاق ، وأن أعداء الإسلام فى الشرق والغرب دائما يلصقون به التهم من أجل إبعاد الناس عنه وتنفيرهم منه.
16 – إن الاسلام ما أحل الطلاق ليشتت شمل الأسرة ويفرق بين أفرادها وإنما أحل الطلاق ليکون المرحلة الاخيرة إذا ما سدت کل المنافذ لعلاج ما وصلت اليه حالة الأسرة من شقاق ونفور لا يرجي تغييره
17 – بينت موقف الاسلام من الخلافات بين الزوجين فهو يرشد إلى الإصلاح والوفاق ولا يلجأ إلى الطلاق الا بعد محاولات من الإصلاح متعددة ، مراحل أربعة الوعظ ثم الهجر فى المضجع ثم الضرب غير المبرح. ثم التحيکم بحکم من أهله وحکم من أهلها للصلح والتوفيق.
وإذا کان الاسلام قد جعل الطلاق بيد الرجل فإنه لم يهمل حقه المرأة فى ذلک بل جعل لها الحق فى طلب الطلاق إن تضررت من البقاء مع زوجها بأن أصبحت غير قادرة على العيش معه ففي هذه الحالة يصبح من حقها ان تطلب الخلع من زوجها لتقي نفسها الضرر الناتج من البقاء مع زوج لا تطيق البقاء معه وفى مقابل طلاقها تعطي لزوجها ما أخذته منه وقد ذکرت ذلک فى موضعه من البحث .
تلک کانت صورة بسيطة عما أعطاه الإسلام للمرأة وما قرره لها من حقوق وحرية ولتقارن النساء بين واقع المرأة فى الاسلام وبين غيره فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقصص والروايات والواقع کل ذلک يحمل الکثير مما يمثل رداً على الإدعاءات الباطلة والتهم الزائفة التي يروج لها أعداء الإسلام ضد المرأة المسلمة بقصد إهانتها وتشکيکها فى عقيدتها وعزلها عن القيام بالدور المنوط بها فى مختلف جوانب الحياة بما يلائم فطرتها ويحفظ حياءها وهم فى ذلک يستخدمون من الأساليب والإغراءات ما يسهم فى تحررها من الأخلاق والآداب وإنسلاخها من القيم والمثل بإسم الحرية والتنور والمدنية ، مما يعکس الصورة التي قدمها وکرمها بها الإسلام على نحو لم تعرفه الحضارات أو الفلسفات القديمة والحديثة فالمرأة کانت لها بصماتها ودورها الفعال الإيجابي فى کافة مجالات الحياة أسرية ، إجتماعية ، إقتصادية ، علمية ، دعوية ، سياسية جهادية طيبة ...
فهل بعد کل هذا يمکن أن يقال ان الاسلام قاس فى معاملة المرأة وظالم لها ؟
وإلى هنا ينتهي موضوع البحث فاءن کنت قد اصبت الصواب أو قاربته وهذا ما آمله وأنشده فهو من توفيق الله وفضله جل شانه وله سبحانه الحمد والشکر وإن کانت الأخرى لاسمح الله ـ فهو مني ومن الشيطان واستغفر الله من ذلک وأسأل الله العفو والغفران فقد قال تعالي: وليس عليکم جناح فيما أخطأ تم به ولکن ما تعمدت قلوبکم وکان الله غفوراً رحيماً([1]) وقال صلي الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز عن امتي الخطأ والنسيان وما استکرهوا عليه) ([2])
ربنا ألهمنا الصواب ، وباعد بيننا وبين الهفوات ووفقنا لما تحبه وترضاه ، وآتنا من لدنک رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا، واتنا فى الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنا عذاب النار .
والحمد لله فى الأولى وفى الآخرة والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام وعلى اله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسبحان ربک رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
[1] الآية (5) سورة الأحزاب
[2] سنن أبن ماجه (1/322 ، سنن البيهقي 10/61 ، المستدرک للحاکم 2/198 ، سنن الدار قطني 4/170،171.