تهدف هذه الدراسة إلى الإسهام في بيان مفهوم نظرية نظام الحضرتين، وهو نظام نشأ في العصور القديمة وقد عرفه العرب ومارسوه، کما عرفه أيضاً غير العرب، وبظهور الإسلام تطوَّر هذا النظام وأسهم الإسلام ودولته إسهاماً مُقدّراً في تطويره من حيث النظرية والتطبيق.
وما يزال الإسلام عبر تاريخه منذ لدن عهد النبي $ يرفد هذا النظام بالتطوير، إلا أن الإسلام لم يفرد هذا النظام بتسمية خاصة. کما أن تطبيق هذا النظام في المفهوم الإسلامي لم يصطدم بتعقيدات تعوق تطبيقه على مستوى قيادة الدولة وخصوصاً من يتولى قيادة الدولة المسلمة، وذلک بخلاف التعقيدات التي تصاحب قيام قائد الدولة في النظم غير الإسلامية بتطبيق هذا النظام.
والمنهج المعتمد في هذه الدراسة منهجين: المنهج الوصفي والمنهج التحليلي، وذلک بتتبع التعريفات المختلفة قديماً وحديثاً. والتعرض بالتحليل للظروف التاريخية الخاصة التي نشأت فيها تلک المصطلحات ودلالتها وتطبيقاتها قديماً وحديثاً في الإسلام وما قبل ظهور الإسلام.
إن نظام الحضرتين نظام قديم عرفته المجتمعات الإنسانية منذ القدم ومن بين تلک المجتمعات المجتمع العربي، وعندما ظهر الإسلام أقرَّ ذلک النظام وأضاف إليه الکثير من الأحکام والقواعد والتطبيقات دون أن يغير أو يضيف إليه تسمية جديدة.
إن تطبيقات الإسلام لنظام الحضرتين قد خلت من التعارض الذي يحول دون قيام قائد الدولة بتطبيق هذا النظام بخلاف النظم الأخرى مـِمَّا يثبت تفوق الإسلام ومقدرة أحکامه على تقديم الحلول التي تسمح بتجاوز التعقيدات التي تعوق تطبيقات هذا النظام في النظم الأخرى.
إن نظام الحضرتين يتطابق من حيث الدلالة مع مصطلح الدبلوماسية، إلا أنه ومن حيث التطبيق تصاحبه تعقيدات تعوق تطبيقه على الوجه الأکمل وبخاصة إن کان التطبيق على مستوى من يتولى قيادة الدولة في النظم السياسية المعاصرة.
کما يهدف البحث لتقصي أسباب التعقيدات التي تعوق تولى قائد الدولة لمهمة إدارة الشأن الخارجي للدولة وکيف تجاوز الإسلام تلک المعوقات منذ ظهور الدولة الإسلامية وحتى عصرنا الحاضر وذلک من خلال دور المملکة العربية السعودية في قيادة الأمتين العربية والإسلامية وإسهامها المقدر وتأثيرها الواضح على المستوى الإقليمي والمستوى الدولي، وإبراز الدور الذي يضطلع به قادتها منذ عهد المغفور له الملک عبد العزيز -طيّب الله ثراه- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملک عبد الله ابن عبد العزيز رحمه الله وما بذله من جهد خلال قيادته الحکيمة للشأن الخارجي للملکة وتأثير ذلک على إظهار مواقف المملکة من جميع القضايا على المستوى العربي والإسلامي والعالمي منذ إطلاقه لمبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ومبادرة الحوار بين الأديان، ودعوته لقيام الاتحاد الخليجي، وغير ذلک.
وکذلک ملامح العلاقات الخارجية للملکة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملک سلمان بن عبد العزيز – ايده الله - و التي تعد أنموذجاً تطبيقياً واقعياً ومعاصراً لنظام الحضرتين في الإسلام