إن السردية هي المبحث النقدي الذي يُعنى بمظاهر الخطاب السردي، أسلوباً وبناء ودلالة.. والعناية الکلية بأوجه الخطاب السردي، أفضت إلى بروز تيارين رئيسين في السردية،
أولهما :السردية الدلالية التي تعنى بمضمون الأفعال السردية، دونما اهتمام بالسرد الذي يکوّنها، إنما بالمنطق الذي يحکم تعاقب تلک الأفعال، ويمثل هذا التيارَ: بروب، وبريمون، وغريماس .
وثانيهما: السردية اللسانية التي تعنى بالمظاهر اللغوية للخطاب، وما ينطوي عليه من رواة، وأساليب سرد، ورؤى، وعلاقات تربط الراوي بالمروي . ويمثل هذا التيار، عدد من الباحثين، من بينهم: بارت، وتودوروف، وجنيت .
وشهد تاريخ السردية محاولة للتوفيق بين منطلقات هذين التيارين، إذ سعى غاتمان وبرنس إلى الإفادة من معطيات السردية في تياريها: الدلالي واللساني، والعمل على دراسة الخطاب السردي بصورته الکلية، فيما اتجه اهتمام برنس إلى مفهوم التلقّي الداخلي في البنية السردية من خلال عنايته بمکون المروي له، اتجه اهتمام غاتمان إلى البنية السردية عامة، فدرس السرد بوصفه وسيلة لإنتاج الأفعال السردية، وبحث في تلک الأفعال بوصفها مکونات متداخلة من الحوادث والوقائع والشخصيات التي تنطوي على معنى .. وعدّ السرد نوعاً من وسائل التعبير، في حين عدّ المروي محتوى ذلک التعبير، ودرسهما بوصفهما مظهرين متلازمين من المظاهر التي لا يتکوّن أي خطاب سردي من دونهما .
ومن هذا الهدف وغيره من الأهداف الأخرى ، ومن رغبتنا في خدمة کتاب ربنا التي هي من أجل العبادات وأنفعها ، ومن محاولة الکشف عن بعض أسراره البلاغية جاء اختيارنا لموضوع الدراسة بعنوان " جماليات السرد فى سورة الکهف بين السرد الدلالى والسرد اللسانى".