Beta
22421

التقديم والتأخير بين سيبويه و عبدالقاهر دراسة بلاغية تحليلية وموازنة

Article

Last updated: 03 Jan 2025

Subjects

-

Tags

-

Abstract

أحمدُک اللهم حمداً يليق بجلالک ، وأُصلِّى وأسُـلِّم على أفضل خلقک (محمد) e .                ( وبعد )
فَمِمَّا لاشک فيه أنَّ أسلوب (التقديم والتأخير) من الأساليب التى ورد ذکرها بکثرة کاثرة فى کتاب الله U وفى ديوان العرب شعراً ونثراً، وکان هذا الأسلوب مناط إعجاب – وما يزال – لدى البلاغيين، والنحاة واللغويين، وکذلک النُّقَّاد، ولذلک أوْلى هؤلاء – وفى المقدِّمة منهم أئمَّتهم – الأسلوب المذکور، عنايةً فائقةً؛ لأهمِّيَّته فى الکلام، ولِدقَّته، ولغموضه، ولأنَّ التَّعمُّق فيه، والوصول إلى أسراره، ولطائفه التى ينطوى عليها يعنى الوقوف على وادٍ من أودية البلاغة ، وکنز من کنوز البيان .
ومن ثَمَّ فقد عدَّ الإمام (عبدالقاهر الجرجانى) هذا الأسلوب دقيقة من دقائق النظم ، ومفردة من مفرداته، وعقد له فصلاً خاصَّـاً فى دلائله، ونوَّه بشأنه، ونعته بأنه: “ بابُ کثيرُ الفوائد، جَمُّ المحاسن، واسع التَّصَرُّف، بعيد الغاية، لا يزال يفترُّ لک عن بديعه ، ويُفضى بک إلى لطيفه ، ولا تزال ترى شعراً يروقُک مسمعُهُ ، ويلطف لديک موقعه ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقک ولطُف عندک، أنْ  قـُدِّم فيه شىءٌ ، وحُوِّل اللفظ عن مکان إلى مکان “ ([1]) .
على أنَّ الإمام بوصفه هذا للأسلوب المذکور لم يبدأ من فراغ ، وإنَّما کان قد أفاد من جهود سابقيه من أئمة النحو ، واللغة ، والأدب ، والنَّقد ، والبلاغة والإعجاز([2])، وفى طليعة هؤلاء ( سيبويه ) ( ت 180 هـ ) الذى أشار إليه الإمام فى ( دلائل الإعجاز ) مرَّات بقوله (صاحب الکتاب) ذلک فى باب ( التقديم ) وغيره، على نحو ما سنرى – إن شاء الله – فى هذا البحث .
فـ(سيبويه) هو أوَّل من أشار إلى القضية المذکورة وطرق بابها فى (الکتاب) الذى حوى کثيراً من المسائل البلاغية ، وکان من الرُّوَّاد الذين أسهموا بنصيب وافر فى تأسيس علم البلاغة ، ومن الأئمَّة العظام الذين کان تأثيرهم ضارباً بجذوره فى عقل الإمام ، حيث إنَّ مؤلَّفه کان أوَّل أثر نحوى يُعنى بالتنبيه “ على مقاصد العرب ، وأنحاء تصرُّفاتها فى ألفاظها ومعانيها ، ولم يُقتصر فيه على بيان أنَّ الفاعل مرفوع ، والمفعول منصوب ، ونحو ذلک ، بل هو يبيِّن فى کُلِّ باب ما يليق به ، حتى إنَّه احتوى على علم المعانى والبيان ، ووجوه تصرُّفات الألفاظ والمعانى “ ([3]) .
وبالتأمُّل الدقيق فيما ورد على لسان ( الإمام عبد القاهر ) فى صدر حديثه عن ( التقديم والتأخير ) ندرک تمام الإدراک أنَّ فکرة تسطيره للفصل الخاص بالأسلوب المذکور إنَّما کانت فى الأساس قائمة على کونها ردَّ فِعْل لفکرة طرحها (سيبويه) فى کتابه ، والتى ذهب فيها إلى " أنَّهم إنما يُقدِّمون الذى بيانُه أهمُّ لهم، وهم ببيانه أعنى، وإن کانا جميعاً يُهِمَّانِهم ويعنيانهم " ([4]) ، وذلک من غير أن يُبيِّن سِرَّ العناية بهذا دون ذاک ، أو يکشف لنا عن الوجه الذى کان من أجله أحدُهما أهمَّ من الآخر .
حيث إنَّه لمَّا جاء ( الإمام عبد القاهر ) ، وقد قرأ ما قرأ فى الکتاب لـ(سيبويه) ، ووقعت عيناه على الفکرة المذکورة کان هذا الوقوع بمثابة ضوء رقيق جداً لفت نظر الإمام ، فأراد أن يرُدَّ على تلک الفِکرة ، وعلى غيرها من الرُّؤى والأفکار التى صدَرت من ( سيبويه ) وأمثاله ممن لم يف مسائل التُّراث البلاغى حقَّها ، وعقد الإمام العزم على أن يُعير بلاغة ( التقديم والتأخير ) – وبالطبع غيره من المسائل البلاغية الأخرى – کبير اهتمام معتمداً على مجموعة من الأسس العلمية التى وضعها لنفسه ، وأن يذکر کُلَّ ما يجول بخاطره ، وما يعنُّ له من أمور تتعلق بالأسلوب المذکور وغيره .
ومِمَّا يدُلُّ على ما قُلْتُ من أنَّ صنيع الإمام هذا إنما کان ردَّ فعل لمقولة (سيبويه ) السابقة التى تختصر دلالة التقديم فى أنَّه يُقال فى کُلِّ شىءٍ قـُـدِّم: أنه قـُـدِّم للعناية والاهتمام – أقول : مما يدُلُّ على ذلک – قول الإمام: “ واعلم أنَّا لم نجدهم اعتمدوا فيه ([5]) شيئاً يجرى مجرى الأصل غير العناية والاهتمام ، قال صاحب الکتاب وهو يذکر الفاعل والمفعول : ( کأنَّهم يُقدِّمون الذى بيانه أهمُّ لهم، وببيانه أعنى، وإنْ کانا جميعاً يُهمَّانِهم، ويعنيانهم)، ولم يذکر مثالاً لذلک“([6]).
وواضح من کلام الإمام هذا : أنَّه يشى بأنَّ الصَّواب قَدْ نَدَّ عن ( سيبويه ) حينما ذهب إلى أنَّ التقديم مقصور على العناية والاهتمام بشأن المُقدَّم ، مِمَّا حدا بالإمام أن يقوم بتسطير بحثه عن الأسلوب المذکور .
ذلک فضلاً عن أنَّ هُناک مواقف أخرى لـ ( سيبويه ) ، ولغيره ، منها ما قَبِلَهُ الإمام وأفاد منه أيَّما إفادة ، وزاده شرحاً وتعليقاً وتذييلاً ، ومنها ما رفضه الإمام وردَّه ذاکراً حُجَجه وبراهينه على نحو ما سيتضح لنا فى هذا البحث ، مِما يدُلُّ على أنَّ الإمام وقف على کتاب ( سيبويه ) وأفاد من دراساته .
أضف إلى ذلک أنَّ بعض البلاغيين المتأخِّرين مِمَّن کان لهم جهد بارز فى التنقيب عن معلوماتهم من ( الکتاب ) لـ ( سيبويه ) کانوا فى بحثهم ، ولاسيَّما عن ( التقديم والتأخير ) يستقون معلوماتهم من الکتاب المذکور .
وهذا يعنى أن ( الکتاب ) لـ ( سيبويه ) أصلٌ من أهم الأصول التى استفاد منها البلاغيون ، وعلى رأسهم إمامهم عبدُ القاهر الجرجانى .
لهذا کُلِّه ، وانطلاقاً من أعمال العالميْن الجليلين (سيبويه)، و(عبدالقاهر) فيما ذکراه عن ( التقديم والتأخير ) رغَّبَتْ إلىَّ نفسى فى الميل إلى التُّراث أمتح من معينه ، وأستقى من نبعه ، وفى أن يمتشق قلمى فيما تناوله العالمان العظيمان من قضايا تتعلَّق بالأسلوب المذکور ؛ لإماطة اللثام عن جهودهما فى تلک القضايا ؛ تطلُّعاً إلى الوقوف على وجهة نظر کُلٍّ ، من خلال قدح زند الفکر فيما سطَّراه ، مُنصِّباً نفسى للحکم بالفصل والموازنة بينهما ، واضعاً الأمور فى نصابها ، ذلک بعد کشف النِّقاب عن بعض اللطائف والأسرار التى ينطوى عليها التقديم والتأخير عندهما ، ومنه إلى وضع اليد على مدى صِحَّة وعى الإمام وتدقيقه فيما ذهب إليه ( سيبويه ) من عرض لقضايا تتعلَّق بالتقديم والتأخير.
فکانت تلک الدراسة محاولة  للکشف عن جزء يسير من قيمة تراثنا الخالد فى مصدريْن من مصادره الأساسية ، التى کان لها أکبر الأثر على التأليف البلاغى، وإبراز استمراريَّته ، وإيماناً مِنِّى بأنَّ العودة إلى التراث والنَّظر فيه بصبر وإخلاص جزء من تنمية أذواقنا ، ومنه إلى فهم النصوص وتذوُّقِها ، ذلک فضلاً عن أنَّ الدراسة المذکورة لها دوْرٌ فعَّال فى استبطان بعض المعانى التى هى محلُّ أخذٍ وردٍّ .
کان ذلک بعض ما حفزنى إلى دراسة ( التقديم والتأخير ) عند الرَّجليْن ، ولکى أَصِلَ إلى مبُتغاى فيما ذکرتُ آثرت أن تکون تلک الدِّراسة بعنوان :
( التقديم والتأخير بين " سيبويه " و " عبد القاهر " )
" دراسة بلاغية تحليلية وموازنة "
مع ملاحظة أنَّه مما يزيد من قيمة هذا الموضوع هو : خـُـلـُـوُّ مکتبة الدراسات البلاغية من مثل هذه الدراسة – على حسب علمى – حيث إننى لم أعرف أحداً سبقنى إلى هذا البحث بدراسة مستقلَّة ، وإن کانت هُناک بعض الرَّشفات المتعلِّقة به والمتناثرة هُنا وهُناک .
هذا ، ولمَّا کانت تلک الدِّراسة تعتمد أساساً على الموازنة بين فکريْن ، تمييزاً بيْن سماتهما بعد درس وتمحيص لآثار کُلٍّ من السابق واللاحق ، وتجليتها، فقد اقتضانى هذا أن أنظم البحث فى ثلاثة مباحث تسبقها مُقدّمة ، وتتبعها خاتمة ، وفهارس للمصادر والمراجع ، وأخرى للموضوعات المتعلِّقة بالبحث .
أمَّا المُقدِّمة : فتناولت فيها أهمية الموضوع وأسباب اختيارى له .
وأمَّا المبحث الأول : فعنوانه : ( التقديم والتأخير فى تراث " سيبويه " عرض وتحليل ) .
وقد عرضت فى هذا المبحث لأغراض التقديم وصوره عند " سيبويه " وقُمت بدراستها عارضاً لها ومُحلِّلاً ، مُجلِّياً مدى انتفاع البلاغيين بالآثار التى خلَّفها " سيبويه " عن الأسلوب المذکور ، مُمهِّداً لِما عرضتُ بتوطئةٍ ألقيت فيها الضوء على أهمِّية (الکتاب)، باعتباره مصدراً هامّاً من مصادر البحث البلاغى ، موضِّحاً ذلک بالدليل والبرهان .
أمَّا المبحث الثانى : فهو بعنوان : ( التقديم والتأخير عند " الإمام عبد القاهر الجرجانى " عرض وتحليل ) .
وفى هذا المبحث أبنت عمَّا عَرَضَ له الإمام من قضايا تتعلَّق بالتقديم والتأخير کاشفاً عن جوانبها کما تصوَّرها الإمام نفسه ، دارساً لتلک القضايا دراسة فنِّية تحليلية ، مشيراً إلى أنَّ الإمام قام بمعالجتها معالجة تنم عن سعة معرفته ورهافة حِسِّه ، وذوقه ، وبراعة حذقه لفنون التعبير
العربى ، وأنَّه طوَّف حول الأسلوب المذکور بآفاق کثيرة لم يهتد إليها من قَبْله ، واضعاً خصائص ومميِّزات للتقديم لم نعهدها عند سابقيه ، ومن ثم کان الإمام أمثل منهم فى طريقة عرضه للتقديم والتأخير ، وتناوله له .
والمبحث الثالث : کان بعنوان : ( موازنة بيْن العالميْن الجليلين ) .
وقد جاء هذا المبحث مُتمِّماً لصورة البحث ، حيث قام هذا المبحث بالکشف عن جهود کُلٍّ من الرَّجلين بالمقارنة بينهما ، مُجلـٍّـياً أنَّ هُناک تفاوتاً وتبايناً بين نظرة کُلٍّ إلى (التقديم والتأخير)، من حيث الغرض من هذا الأسلوب، ومنهج کُلٍّ من العالميْن ، وطريقته فى التناول ، والشَّرح والمُعالجة ، ومشيراً کذلک إلى بعض أوجه التشابه فيما بينهما ، وذلک فى ضوء ما ذُکِر فى المبحثين السابقين .
وختمت هذا البحث بخاتمة سَجَّلت فيها خُلاصة البحث وأهم نتائجه .
وبالطبع تأتى بعد ذلک الفهارس الفنِّية الخاصة بمصادر البحث ومراجعة متبوعة بفهرس للموضوعات .
ومن الجدير بالتسجيل فى هذا المقام هو : أننى حينما بدأت العمل فى هذا البحث لم أکن أتوقَّع أنه سيتسع علىَّ بهذه الصورة التى جاء عليها ، ولکن ظروف البحث وطبيعته اقتضت أن يأتى فى حلقات متَّصلة اتصالاً يُسلِّمُ کُلَّ حلقة منها إلى التى تليها مما تطلَّب أن تحثُ فى تلک الحلقات الخُطى ، وتغزُ السيْرُ ، إذ إنَّ کُلَّ حلقة تستلزم التى بعدها ، واللاحقة تتوقف على السابقة ، وهکذا ، ولذلک اتسعت دائرة البحث ، مما دفعنى إلى مزيد من العمل والجدِّية فى هذا البحث ، حتى خرج بهذه الصَّورة التى أرجو أن لا أکون قد أسهبتُ فيها بما يُمِلُّ ، أو لا أکون قد قصَّرْتُ وأوجزْت بما يُخِلُّ .
وبعد
فإنى أحمدُ الله U على ما وفَّق وأعان ، فهو وحده يشهد أننى لم آل جهداً، ولم أدَّخر وسعاً فى إخراج هذا العمل المتواضع على هذا النحو الذى جاء عليه فى صورته هذه ، کما أننى لا أستطيع الادٍّعاء بأنَّ الموضوع قد استوعب کُلَّ عناصره ، واستوفى کُلَّ شىءٍ يخصُّه ، فهذا ادٍّعاء لا يتـَّـفق مع الرُّوح العلمية ، إذ إنَّ الکمال لله U وحده ، وإنما أستطيع أنْ أقول : إننى بذلت جهداً مُخلصاً ، فإنْ کان التوفيق قد حالفنى فذلک فضل من الله ومِنَّة ، ، وإنْ کانت الأخرى فمن نفسى ، وحسبى أننى أخلصت النِّيَّة ، وبذلْت قُصارى جهدى . والله أسأل أن يجعلَ عملى هذا خالصاً لوجهه الکريم .
کما أسأله – سبحانه – أن يوفِّقنا دائماً لخدمة لغة القرآن الکريم ، وأن يهدينا سواء السبيل ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الکريم ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
( ربَّنا عليک توکّلْنا وإليک أنبنا وإليک المصير )
دکتور / إسماعيل محمد الأنور محمد إسماعيل
المدرس بقسم البلاغة والنقد فى کلية اللغة العربية بجرجا
 

Keywords

التقديم والتأخير, سيبويه, عبدالقاهر, دراسة, بلاغية, تحليلية, موازنة

Authors

First Name

إسماعيل

Last Name

محمد الأنور محمد إسماعيل

MiddleName

-

Affiliation

المدرس بقسم البلاغة والنقد فى کلية اللغة العربية بجرجا ـ جامعة الازهر

Email

-

City

-

Orcid

-

Volume

17

Article Issue

5

Related Issue

4251

Issue Date

2013-12-01

Receive Date

2013-12-19

Publish Date

2013-12-31

Page Start

3,953

Page End

4,239

Print ISSN

2356-9050

Online ISSN

2636-316X

Link

https://bfag.journals.ekb.eg/article_22421.html

Detail API

https://bfag.journals.ekb.eg/service?article_code=22421

Order

4

Type

المقالة الأصلية

Type Code

557

Publication Type

Journal

Publication Title

حولية کلية اللغة العربية بجرجا

Publication Link

https://bfag.journals.ekb.eg/

MainTitle

التقديم والتأخير بين سيبويه و عبدالقاهر دراسة بلاغية تحليلية وموازنة

Details

Type

Article

Created At

22 Jan 2023