الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :
فإن تصنيف الکلمة هو الخطوة الأولى في دراسة علم النحو، ولذا اهتم به علماء النحو وصدروا به کتبهم؛ لأنه مفتاح لما بعده، قال شيخ النحويين سيبويه ـ رحمه الله ـ في مستهل کتابه: (( هذا باب علم ما الکَلِمُ من العربية ، فالکَلِم : اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل )) ([1])ثم شرع في الحديث عن کل منها والتمثيل عليه ، وتبعه في ذلک جل النحويين في کتبهم .
ومع سهولة هذا الأمر في الجملة إلا أنه عند التطبيق تعتوره بعض المشکلات ، ومن أسباب صعوبة ذلک سعة المادة اللغوية تبعاً لامتداد المتحدثين بها رقعة وزماناً، وتنوع طرائق الاستعمال ، فحصل تبعاً لذلک اختلاف في تصنيف بعض الکلمات، ومن أسبابه :
ـ دلالة الکلمة على معنى الفعل وعدم قبول علاماته کـ( صه ) .
ـ قبول الکلمة شيئاً من علامات الأسماء أو وقوعها مواقعها مع شبهها بالحرف وضعاً أو استعمالاً أو غير ذلک من أوجه الشبه .
ـ اختلاف عمل العامل جراً ونصباً کما في (عدا) و(خلا) ، أو رفعاً وجراً کما في (منذ) و(مذ) .
وغير ذلک من الأسباب ، وتبعاً لذلک حصل خلاف في التصنيف بين الحرفية والفعلية کما في ( عسى)، وبين الفعلية والاسمية کما في أسماء الأفعال ونعم وبئس ، وبين الحرفية والاسمية کما في ( مع ) وغيرها .
واستقر رأي جمهور النحويين على الحکم على بعض الکلمات بالحرفية في حال ، والاسمية في حال أخرى کما في بعض حروف الجر التي سنتناولها في هذه الدراسة .
کما حکموا على کلمات أخرى بالحرفية في حال ، والفعلية في حال أخرى کما في (عدا) و(خلا) و(حاشا) عند من أثبت النصب بها .
وجعلوا الکلمات التي تدل على معنى الفعل ولا تقبل علاماته في باب مستقل سموه ( اسم الفعل ) تسمية توحي بتردده بين الاسمية والفعلية .
وقد أحببت أن أنظر في بعض حروف الجر التي استقرت حرفيتها ، وحکم النحويون عليها بالاسمية في بعض حالاتها فأتناول جميع ما يتعلق بها في حال اسميتها من خلاف وأدلة ومسائل .
وقد جاء البحث في مقدمة وخاتمة وبينهما ثلاثة فصول تضم الأحرف الخمسة ( الکاف ، ومن ، وعن، ومنذ، ومذ ) جاءت الکاف في فصل مستقل ، وأتت (من) و(عن) في الفصل الثاني ، وختمت الفصل الثالث بالحديث عن ( مذ ) و( منذ ) وقد حاولت ترتيبه وتفقيره ليسهل النظر في مسائله ، وختاماً أسأل الله التوفيق والسداد ، وحسن الخاتمة في الأولى والمعاد ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.