فعندما خلق الله تعالى الإنسان أودع فيه الأحاسيس والمشاعر, والغرائز والانفعالات, وجعل تلک الانفعالات هي همزة الوصل والتفاعل بينه وبينَ الآخرين؛ ليکون بها شاهدًا على عجائب قدرته وأسرار خلقته .
وللانفعالات النفسية في القرآن الکريم صور عديدة, ومن يعکفُ على دراستها يجِدْ فيها وصفًا دقيقًا وتشخيصًا حيًا لکثيرٍ من الانفعالات التي يشعر بها الإنسان في حياته, فمنها انفعالات تدل على الراحة والاطمئنان مثل: الحب والمودة وغيرها, وانفعالات تدل على الألم مثل: الحزن والخوفُ والغضب والبغض وغيرها, کل ذلک يحتاج إلى مؤلفات عديدة لا نصل إلى نهايتها؛ لأنه کتاب الله المُعْجِز الذي ]لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ[؛ (1) لأنه
] مِن لَّدُنْ حَکِيمٍ عَلِيمٍ [.(2)
لذا يعتبر الأثر النفسي الذي يصدره القرآن الکريم في نفسِ المتلقي مِنْ مقومات إعجازه , وبحثنا هذا لمحة بسيطة عن التواصل في القرآن الکريم بلغة غير منطوقة لوصف مظاهر انفعال الحزن من خلال التعبير بجوارح الإنسان کالوجه والعين والفؤاد والقلب في حالة الحزن الشديد.
ولغة الجسد وتعبيرات الوجه والعين والفؤاد والقلب من الأساليب التي استخدمها القرآن الکريم لوصف انفعال مَنْ بُشِّرَ بالأُنثى, في قوله تعالى: ]ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ کَظِيمٌ[,(1) ووصف الأب الذي فقد ابنه حينما قال: ] وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِيمٌ [,(2) ووصف فؤادُ أُمٍّ تتلهف على وليدها الرضيع في قوله : ] وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً[.(3)
ومن خلال ذلک نُظهر– بمشيئة الله تعالى- لماذا آثر النظم القرآني التعبير بالوجه ولم يحدد جارحة بعينها عندما وصف مظاهر الزوْج الذي بُشِّر بالأنثى؟ ولماذا آثر جارحة العين عندما تحدَّث عن مظاهر حُزْن الأب الذي فقد ابنه؟ ولماذا عبَّر بالفؤاد والقلب عندما تحدَّث عن مظاهر حزن أُمٍ فقدت رضيعها؟
وذلک؛ لأن لغة القرآن الکريم شاملةً لوسائلِ التبليغِ والاتصالِ, ولغة الجسد قادرة على مخاطبة العقل، وتحريک العواطف وتوصيل الرسالة الربانية إلى المخاطب بأسلوب سهل.