إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وبعد:
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102].
وقال: {يا أيها الناس اتقوا ربکم الذي خلقکم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا کثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله کان عليکم رقيبا} [النساء: 1].
وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لکم أعمالکم ويغفر لکم ذنوبکم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث کتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وکل محدثة بدعة، وکل بدعة ضلالة، وکل ضلالة في النار.
جاءت الشريعة الإسلامية بضوابط لتنظيم شئون حياة الناس فيما بينهم، وکانت أحکامها مراعية لمصالح الناس ودرء المفاسد عنهم، وقد کفلت الشريعة بأحکامها الحرية بکافة ألوانها وأشکالها، شريطة أن تکون في نطاق شرعي مستند إلى أدلة شرعية.
وسوف نلقي الضوء في هذا البحث على موضوع شائک، کثر الحديث عنه والتمسک به، وأن أمور الحياة وشئونها في نظر من تمسکوا بهذا- والذي يعتبرونه مبدأ من مبادئ الحياة الإنسانية الواجب التطبيق- تقوم عليه، فکل حرکة وسکنة في الحياة تنطاع لهذا الموضوع.
هذا الموضوع هو حرية التعبير عن الرأي، الذي غالى فيه الکثير حتى أصبح آفة أصابت المجتمعات، فأفسدت أکثر مما أصلحت؛ فنجد بلايا قد ظهرت ومخالفات قد بدت تحت هذا الشعار، حتى وصلت تلک البلايا والمخالفات إلى الطعن في الثوابت الشرعية التي لا يملک أحد أن يطعن فيها بأي وجه کان، ولو کان هذا الطاعن من غير ملة الإسلام.
ونحن في هذا البحث سنتناول الحديث عن هذا الموضوع تحت عنوان «دعاوى حرية التعبير وأثرها في محاولة زعزعة الثوابت الشرعية»، وسوف نتبع في جمع مادة هذا البحث المنهج الوصفي التحليلي الاستقرائي، وذلک في عدة مباحث هي:
المبحث الأول: تعريف حرية التعبير والثوابت الشرعية لغة واصطلاحا.
المبحث الثاني: ضوابط حرية التعبير في الشريعة الإسلامية.
المبحث الثالث: أثر الضروريات المقاصدية الخمسة في حرية التعبير.
المبحث الرابع: أثر حرية التعبير في محاولة زعزعة الثوابت الشرعية.
ثم أتبعت تلک المباحث بخاتمة بينت فيها أهم ما توصلت إليه خلال بحثي في هذا الموضوع.