Subjects
-Tags
-Abstract
لعلماء الحديث قواعدُ مرعيةٌ وشروطٌ دقيقةٌ اشترطوها في قبول الرواية، وِفقَ منهجٍ علمي دقيقٍ ونظرٍ صحيح. هذه الشروط والقواعد سطَّروها في کتب مصطلح الحديث، وطبَّقوها على الرواة أثناء نقدهم الروايات، وتعتبر هذه القواعد هي أساس علم "الحديث دراية" ([1])، أو "علم أصول الحديث"، أو "مصطلح الحديث"، الذي هو الميزان في قبول الأخبار أو ردِّها.
نعم ربما تتفاوت وجهات نظر النُّقَّاد في تطبيق هذه القواعد على الرواة بين مُعَدِّلٍ ومُجرِّح بحسب مُعْطياتِ کلِّ إمام وفهمِه ونظرتِه في تطبيق هذه القواعد، لکنها في النهاية تؤدي إلى غاية واحدة وهدف سام وهو حفظ السنة المطهرة من التَّحريف والتَّبديل.
ومجمل هذه الشروط خمسة:
الأول: عدالةُ الرواة. الثاني: ضبط الرواة صدرًا وسطرًا.
الثالث: اتصال السند. الرابع: عدم الشُّذوذ.
الخامس: عدم العلَّة القَادحة.
وهذه دراسةٌ عن الشرط الأول من هذه الشروط بل في لازم من لوازمه وهو انتفاء خوارم المروءة والتي هي من مقتضيات عدالة الراوي المترتب عليها قبول روايته.
وهذا الشرط وإن کان متفقٌ عليه بين علماء الحديث قاطبة من حيث النَّظرية والتَّقعيد، إلا أنه متفاوتٌ بينهم من حيثُ الإعمال والتَّطبيق.
وهذا التفاوت في التطبيق العملي وإن کان ظاهرًا في کل الشروط السابق ذکرها، وخاصة في شأن الضبط، إلا أنه في اشتراط الخلو من خوارم المروءة أشدّ، وإذا رامَ مريدٌ ضبطَ هذا التفاوت لما استطاع إلى ذلک سبيلاً؛ وذلک راجعٌ لسببين رئيسين:
الأول: أن خوارم المروءة مرجعها العرف والعادة، والزمان والمکان. يقول القرطبي(ت671هـ) في تفسيره :" وأماالمروءةُ فالناسُ مختلفون في ذلک والعادةُ متباينة فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوالالعجم ومذهب أهل البدو غير مذهب الحضر"([2]). وقال السَّخاوي (ت902هـ) -نقلاً عن الزّنجاني (ت655هــ) - : "المروءة يرجع في معرفتها إلى العرف، فلا تتعلق بمجرد الشارع ، وأنتتعلم أن الأمور العرفية قلما تضبط ، بل هي تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان، فکم منبلد جرَت عادة أهله بمباشرة أمورٌ لو باشرها غيرهم لعدَّ خرمًا للمروءة"([3]).
ومِنْ ثم َّکان من الصعوبة بمکان ضبطها، أو تحريرها وِفْقَ قاعدةٍ مستقرة.
السبب الثاني: أنها تختلف في اعتبارها من ناقد لآخر، وکذا فيمَنْ تَلبَّس بشيء من خوارمها من شخص لآخر.
قال الباقلاني (ت403هـ) :" فرُبَّ شخصٍ في نهاية من التَورُّع والتَّدين يبدُر منه مثل ذلک فلايتهم ويعلم أن قصده ترک الرياء وتجنب التکلف، ورُبَّ شَخصٍ يؤذن صدور ذلک منه بقِلَّةمبالاته، وهذا مما لا سبيل إلى ضبطه وهو يختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاصفلا وجه للقطع فيه ولکن يفوَّض الأمر إلى الاجتهاد"([4]).
والحقيقةُ أنَّه لا يکادُ يوجد راو ضُعِّفَ أو رُدَّتْ روايته بسبب خارم من خوارم المروءة فقط وإنما يکون القدح وردّ الرواية إذا انضافَ إليه سببٌ آخر من أسباب الطعن کانتفاء العدالة أو عدم الضبط أو غير ذلک من الأسباب الموجبة للطعن عند أهل هذا الفن.
وحتى نصِلَ إلى نتيجة صحيحة في هذه المسألة فلا يجْدُر بنا أن نقف عند الجانب النظري وحسب، بل لابُدَّ من التطبيق العملي على الرواة؛ فإنَّ خيرَ سَبيلٍ للوصول إلى فهم القواعد النظرية هو التطبيق العملي لها، فمن خلال ذلک يظهر مراد النُّقَّاد فيما قعَّدوهُ وأصَّلُوه. خاصة إذا کانت المسألة محل البحث يسهل حصرها، والتطبيق قد تَمَّ بما يقارب الاستقراء التام.
وهذه دراسةٌ نظريةٌ تطبيقةٌ أحاول–بعون الله-أن أعالجَ فيها إشکاليةَ اشتراط الخلو من خوارم المروءة عند المحدثين ، ومدى تطبيقها عمليًا على الرُّواة، وذلک من خلال النَّظر الدقيق في صنيع النُّقَّاد تجاه هذه المسألة، ومدى تأثير هذا الشرط على الرواية من حيث القبُول أو الرَّدّ.
وأطلقتُ على الدّراسة اسم: "خَوارِمُ المرُوءةِ عِنْدَ المُحَدِّثِينَ بينَ النَّظَريَّةِ والتَّطْبِيق".
([1]) عَرَّفَ عزُّ الدينِ ابنُ جمَاعة الشَّافعي (ت819هـ) علم الحديث دراية بقوله: "علمٌ بقوانين يعرفُ بها أحوالُ السندِ والمتن". توجيه النظر (1/ 792).
([2]) الجامع لأحکام القرآن (13/ 269).
([3]) فتح المغيث (1/291).
([4]) التلخيص في أصول الفقه (2/ 354).
DOI
10.21608/jfga.2019.76376
Keywords
خوارم المروءة, المحدثين, النظرية, التطبيق
Authors
First Name
زين العابدين مصطفي
MiddleName
-Affiliation
قسم أصول الفقه، کلية الدراسات الاسلامية والعربية بنين، جامعة الأزهر، قنا، جمهورية مصر العربية.
Email
zainelabdin561@gmail.com
Orcid
-Link
https://jfga.journals.ekb.eg/article_76376.html
Detail API
https://jfga.journals.ekb.eg/service?article_code=76376
Publication Title
مجلة کلية البنات الأزهرية - طيبة - الأقصر - فرع جامعة الأزهر
Publication Link
https://jfga.journals.ekb.eg/
MainTitle
خَوارمُ المُروءةِ عند المُحَدِّثِينَ بين النَظريةِ والتَطبِيق