الحمد لله الذى علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم ، وکان فضل الله عليه عظيمًا ، والصلاة والسلام على أفصح من نطق الضاد ، واهتدت بهديه العباد ، وعلى آله وصحبه الغر الأمجاد ، ومن اتبع هيدهم فى کل واد ، وبعدُ.
         وأمام نعرات التغريب التى تتزايد يومًا بعد يوم کان لا بد من عودة يتحاضن فيها الوارث مع ميراثه ؛ لينقب فيها عما يمکنه أن يتعايش مع الراهن المعاصر؛ وليفتش فيه عما يمتلک حضوراً فاعلاً يبزّ بقامته تراث الغرب ويسامقه ؛ إذ لا ردَّ أجدى على محاولات تقزيم التراث من کشف مظاهر تعملقه وتساميه ، وإظهار ما يتميز به ، وذلک من خلال دراسته دراسة واعية تکشف عن خصائصه ، ومدى تماسکه وتلاحمه.
         والايقاع ما هو إلا ترديد متواصل لنظام معين ، ووظيفة هذا الإيقاع هى (استنفاذ للطاقة الشعورية ، وهو جزء من دلالة التعبير کاالدلالة المعنوية اللغوية. ومهمته أن ينقلنا من حال اعتيادية إلى حال تموج بالحرکة والنغم، وتمدنا بطاقة نفسية نعيش بها  لحظات ممتازة ، وتهدينا إلى المغزى^([1]).
         والإيقاع يرتبط باللغة ارتباطًا عضويًا ، فلا توجد لغة بشرية تخلو من الإيقاع ، والإيقاع نوع من أنواع الجمال فهو الذى يمنح النص الإبداعى - أيا کان جنسه - صفة الجمالية^([2]).
والإيقاع ما هو إلا جرس موسيقى يتحقق عن طريق "التفنن فى طرق ترديد الأصوات فى الکلام"^([3]).
- وفيما يبدو لى - أن المناسبة اللفظية تعد أبرز الظواهر الإيقاعية التى أغفلها القدماء هذا الاغفال کان عاملا قويا دفعنى لإعداد دراسة تحليلية فى نص خطبة حجة الوداع فى ضوء نظرية القوة الإيقاعية - لبيان دورها بالنسبة للجانب الإيقاعى.
         وليس ثمة نص - بعد القرآن الکريم - من الحديث النبوى الشريف وخط ووصايا الرسول r، أجدر وأولى بالدراسة ؛ فهو المعين الذى لا ينضب لقواعد اللغة العربية.
وأزعم أن هذه الدراسة لم تسبق بأية دراسة أخرى تتعلق بنظرية القوة الإيقاعية فى نص خطبة الوداع.   
 
وتنقسم تلک الدراسة التى تقوم على معطيات الدراسات الصوتية الحديثة إلى قسمين هما :
(1) القسم النظرى :
ويشتمل هذا القسم على المباحث التالية :
ا- توطئة عن نظرية القوة الايقاعية.
ب- الإيقاع فى النثر.
جـ- مفهوم المناسبة اللفظية وأقسامها عند القدماء.
د - مقياس لغوى يعد جزءاً من قالب المناسبة اللفظية.
هـ – التکرار.
و - الوضوح السمعى للأصوات.
ر - نص خطبة حجة الوداع للنبى r.
(2) القسم التطبيقى : أما القسم التطبيقى
         فقد خصصته للدراسة التحليلية فى نص خطبة حجة الوداع لجميع فقرات الخطبة فى ضوء نظرية القوة الإيقاعية.
والدراسة التحليلية لهذه الظاهرة تکشف لنا بدقة عن أبعاد قالب ظاهرة من الظواهر الإيقاعية التى يتميز بها الحديث النبوى ووصايا الرسول الکريم r.
         فقد ذکرت عناصر القوة الإيقاعية فى کل فقرات الخطبة واتبعت فى ترتيبها الترتيب الموجود فى نص الخطبة کما جاءت فى کتاب (البيان والتبين)^([4]) للجاحظ.
ولا تدعى الدراسة بأنها أحاطت بکل ما يمکن قوله فى هذا الموضوع ؛ لأن کل شىء لا بد أن يشوبه النقصان ، وخطب ووصايا الرسول r معين لا ينضب لکثير من الدراسات والزوايا.
وما توفيقى إلا بالله عليه توکلت وإليه أنيب...



[1] - الإعجاز الفنى فى القرآن 225 ، ونظرية القوة الأيقاعية فى الخطاب اللغوى 19.


[2] - بلاغة الإيقاع 29 ، ونظرية الأنماط الإيقاعية فى الخطاب اللغوى 7.


[3] - موسيقى الشعر ، د/إبراهيم أنيس 44 ، ونظرية الأنماط الإيقاعية فى الخطاب اللغوى 7.


[4] - البيان والتبين للجاحظ 2 / 31 -33 .