يهدف هذا البحث إلى التمييز بين المقاربتين الجدلية التداولية والتداولية الإدراكية للممارسات الحجاجية تمييزا عمليا، من خلال المقارنة بين تطبيق كليهما على نص واحد اختير عشوائيا، هو أحد مقالات الروائي علاء الأسواني المنشورة بصحيفة الشروق عام 2009.
تُعنى المقاربة الجدلية التداولية ابتداءً بإعادة بناء الخطاب الحجاجي، بالاستعانة بقواعد سيرل للأفعال الكلامية ومبادئ جرايس، وصولا إلى تحديد العناصر ذات الصلة بحل الخلاف في الرأي بين الأطراف المشاركة في النقاش النقدي. ويعين تحديد هذه العناصر "المنظّر" على تقييم الخطاب النقدي في ضوء موافقته أو مخالفته لمعايير المعقولية.
في المقابل، تُعنى المقاربة التداولية الإدراكية بتحديد الطرائق التي يعمل بها النظام الإدراكي للمحاججين "العاديين" حال استقبالهم للخطاب، والكيفية التي يعمل بها هذا النظام استدلاليا وتقييميا. وتهتم هذه المقاربة على وجه خاص ببيان الطريقة التي يقيد بها منشئ الخطاب الحجاجي السياق بهدف الوصول إلى التفسير الذي يتوافق مع أهدافه الإقناعية، وكذلك الطريقة التي يثبط من خلالها "اليقظة الإبستيمية" لمتلقي الخطاب لكي لا ينتبه إلى ما في الخطاب من ممارسات مغالِطة و/أو تلاعبية.
وانطلاقا من أن المنخرطين في الخطاب الحجاجي قد يوظفون بعض "الاختصارات الإدراكية" لتحقيق ذلك الهدف، يقترح البحث اختصارا جديدا يعرف باختصار "الضحية-الجاني"، الذي يوجّه المتلقي لمعالجة المعلومات في ضوء عدد محدود من الافتراضات الماثلة في محيطه الإدراكي غاضا الطرف عما سواها.