في زمن النبي الکريم(ص) کانت الفتاوى أو الرد على تساؤلات المسلمين تتم وفق منهج رباني وبوحي إلهي، حيث کانت تنزل على النبي الکريم من السماء على هيئة نصوص قرأنية أو يوحى إلية ولا تتلى کما يتلى القرأن وهو ما عرف بالسنة النبوية. بعد وفاة النبي تولى کبار الصحابة مهمة الإفتاء من بعده، حيث إعتمدوا بشکل رئيسى في فتاويهم على مصدرين: هما القرأن والسنه. کذلک تحاشوا في فتاويهم الرد على الأمور التي لم تحدث ولم تقع. مع وصول بني أمية للحکم تغيرت مجرى أمور الفتوى، فقد أدى الخلاف بين المسلمين على شرعية حکم بني أمية إلى إنقسام المسلمين إلى فرق سياسية کالخوارج والشيعة وغيرهم، والتي سرعان ما تلبست هذه الفرق بغطاء مذهبي، حيث سعى مناصريها من الفقهاء إلى مهاجمة السلطة الأموية والتشکيک في شرعية حکمهم. في المقابل، قامت السلطة الأمويه بحشد مؤيدها من رجال الدين للرد على مخالفيهم والتأکيد على مبدأ طاعة ولي الأمر وعدم جواز الخروج عليه. هذا الأمر إستمر خلال العصر العباسي الأول، ولکن تطور الخلاف بين السلطة وفقهاء الدين الى مسائل عقدية فلسفية کمسألة خلق القرأن، حيث تبنت السلطة العباسية هذا الرأي وحاولت جاهدة فرضه على عامه الناس بمن فيهم الفقهاء وهو ما أحدث صراعاً فقهياً وفکرياً حاداً بين الطرفين، إستخدمت خلاله السلطة العباسية البطش والتنکيل ضد کل من خالفها الرأي من رجال الدين.
أيضاً من الأمور الملاحظة خلال العصر العباسي الأول أن السلطة إستخدمت أحياناً تهمة الزندقة وما جاء فيها من فتاوى تبيح قتل صاحبها کوسيلة للتخلص من بعض رجال الدولة المرموقين الذين أخذت السلطة تتشکک في مصداقية ولائهم للبيت العباسي.
في هذه الدراسة سوف نتناول بشي من التفصيل هذه العلاقة بين السلطة الحاکمة والفتاوي السياسية المخالفة لها خلال العصر العباسي الأول.