تتلخص إشکالية البحث من خلال تبني منهجًا سوسيولوجيًا يمکّن من ولوج الباحث الاجتماعي لمنطقة شعبية حتى يمکن تجميع رؤية شبه متکاملة ومادة بحثية تتيح فهم وتأويل العالم الاجتماعي لتلک المناطق، باعتبارهم يعيشون تجربة من اللامساواة والخوف من المستقبل، وکيفية صياغتهم لخطط من أجل الاستمرارية.
کما يهدف هذا السياق إلى التغلغل في کيان إحدى المناطق العشوائية في صعيد مصر، من خلال تعبيراتهم التي تم التوصل إليها عن طريق المقابلة المباشرة معهم، ومن هذا المنطلق النظري سنحاول تحليل نصوص المبحوثين من سکان تلک المنطقة التي يعبرون من خلالها عن معاناتهم ومحنهم من جهة، ومحاولاتهم نحو مقاومة أوضاعهم وجهودهم نحو التعبير عن وجودهم الاجتماعي. وقد تبلورت التساؤلات حول تساؤل رئيسٍ مؤداه؛ ما أشکال المعاناة السياسية التي يعانيها سکان الأحياء الشعبية؟ وقد انبثق من هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعية وهي :
- ما أشکال المعاناة الانتخابية لدى سکان الأحياء الشعبية؟
- ما أشکال المعاناة الحزبية لدى سکان الأحياء الشعبية؟
- ما أشکال المعاناة المؤسساتية لدى سکان الأحياء الشعبية؟
- ما هي رؤية سکان الأحياء الشعبية تجاه الحلول الواجبة للتغلب على معاناتهم؟
من هنا جاء البحث الراهن ليکشف عن معاناة سکان المناطق الشعبية سياسيًا، على مستوى المشارکة الانتخابية متمثلة في رؤية المواطنين تجاه الانتخابات وأهمية المشارکة الفعالة فيها، وعلى مستوى المشارکة الحزبية ورؤيتهم نحو الأحزاب السياسية وإيمانهم بقيمتها، وأيضًا على مستوى مؤسسات الدولة المرتبطة بشکل مباشر بالجانب السياسي کتقييمهم للأداء الحکومي، وأيضًا محاولة الکشف عن تقييمهم لمستوى الخدمات المقدمة إليهم.
ويستمد البحث جانبًا من أهميته في الکشف عن مطالب تلک الفئات وما يأملون في تحقيقه، وکذلک الوقوف على مظاهر المعاناة السياسية وأبعادها، ومن ثم الکشف عن آليات تحقيق التکامل الاجتماعي الذي يصل بهم لحد الاندماج الحقيقي في الحياة السياسية.
حيث تم سحب عينة عشوائية قوامها (12) مبحوثًا تم اختيارهم بطريقة کرة الثلج، وذلک حسبما اقتضته طبيعة البحث.
ومن أهم نتائج البحث
1) تتمثل المعناة لدى سکان المناطق الشعبية في الجهل بقيمة الانتخابات والجدوى منها من ناحية، وصعوبة التفرقة بين المرشحين نظرًا لتشابه الاختيارات من ناحية أخرى.
2) يعاني سکان منطقة البحث من عدم الاهتمام بهم وبقضاياهم المُلحَّة من قبل أعضاء المجالس البرلمانية باستثناء فترة الدعاية الانتخابية فقط.
3) ينظر غالبية أعضاء مجتمع البحث إلى الأحزاب السياسية باعتبارها لا تعبر عن واقعهم.
4) إن الغالبية لا تعرف معنى الحزب السياسي ولا دوره، والأمر الشديد الغرابة أن منهم العديد لديه عضوية في أحزاب سياسية، إلا أنها عضوية شکلية.
5) يعاني مجتمع البحث من تدني مستويات الخدمات، وتصل المعاناة لأعلى مستوياتها حينما ينظرون إلى أن کافة الإجراءات من قبيل المراوغة والتلاعب بعواطف المواطنين.
6) تتجسد المعاناة لدى سکان المناطق الشعبية في أوضح صورها من خلال الشعور الدائم بالضيق لدى مبحوثين عدة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر برغبتهم في التعبير عن هويتهم التي يرون أنفسهم يسکنون في "مستنقع غير آدمي" ولا يشکل إطارًا حقيقيًا للعيش وتطور الذات.