تتناول هذه الدراسة إحدى القضايا الهامة فى التاريخ المملوکى وهى جدلية علاقة السلطة الحاکمة المتمثلة فى السلطان بالأحکام القضائية فى مصر إبان تلک الفترة الزمنية التى تتميز بالزخم والحيوية والحراک السياسى الکبير. إن الدراسة التى نحن بصددها لا يعنيها بحال أن تتصدى لتاريخ القضاء فى العصر المملوکى، ولا لتفرد صفحات لتراجم کبار القضاة وأشهر القضايا، ولکن الغرض الرئيسى من الدراسة هو البحث فى هذا التماس بين السلطة السياسية والسلطة القضائية، وکيف تداخلت رغبات الأولى فى قررات الثانية، الأمر الذى کان يؤدى إلى تناغم أو نفور بين السلطتين. لقد حرص سلاطين المماليک على تثبيت حکمهم وتقوية سلطانهم عن طريق تحقيق العدل بين الرعية وذلک لضمان استقرار الأمور والأوضاع الداخلية ومن أجل تحقيق النتائج المرجوة من حکم البلاد، هذا وقد کان السلاطين يتولون النظر في المظالم، وفى نواحى أخرى فقد عمل سلاطين المماليک فى بعض الأحيان على النظر بأنفسهم فى بعض القضايا، بالإضافة إلى تدخلهم فى أحکام قضائية أخرى بعينها، بين تداخلات محمودة بغرض رفع المظالم، أو لتحقيق فى شکاوى، أو لنقض أحکام، أو تداخلات لهوى وغرض السلطة، أو ضغوطات وصولاً للإقصاء والعزل.