بعد المحنة الشديدة التي تعرَّض لها أهالي الأندلس جرّاء سقوط غرناطة عام 1492م، کانت جزائر بني مزغنة من الدول التي لجأوا إليها، حيث استقبلتهم شعبًا وأرضًا، وساهم حُکّامها في إنقاذهم من بطش الإسبان بحملهم إلى أراضيها. وما إنْ تمَّ توطينهم واستقرارهم حتى قويت شوکتهم، وأصبحوا قوَّة فاعلة في التصدّي للهجمات التي تعرَّضت لها الجزائر المحروسة، لا سيَّما من طرف الإسبان، بسبب الحقد والثأر لِما أصابهم على أيدي هؤلاء؛ من: التنکيل، والتعذيب، ومحاکم التفتيش، وحرمانهم من دينهم، وسلب کل ممتلکاتهم. فبعد استقرارهم في الجزائر، کان لهم السبق واليد الطولى في کل ما تعلَّق بالجانب العسکري، وغدت الجزائر المحروسة قوَّة بحرية تحسب لها دول الضفَّة الغرب متوسطية ألف حساب، حتى إنَّها لُقِّبت في الوثائق العثمانية بدار الجهاد.           وتأسيسًا على ذلک، فقد کان موضوع ورقتنا البحثية يدور حول المساهمة الأندلسية الموريسکية في المجال العسکري للجزائر العثمانية؛ بُغْيَةَ تسليط الضوء على تلک المساهمة في کلٍّ من المجالات الآتية: 1-       التحصينات والهياکل الدفاعية العسکرية: عملت هذه الفئة على تشييد القلاع والحصون، وکذا حفر الخنادق في أهم المدن الساحلية، وبخاصة مدينة الجزائر، إضافةً إلى تشييدهم الثکنات العسکرية. 2-       الصناعات الحربية: ساهم الموريسکيون في صنع البارود والمدافع، وتجهيز السفن والمعدّات الحربية، وکان لهم السبق في هذا المجال. وقد استفادت البحرية الجزائرية من خبرة هذه الجالية وکفاءتها خير استفادة. 3-       الأمن الداخلي: أبلى الأندلسيون في الدفاع عن سواحل الجزائر ضد هجمات الإسبان المُتکرِّرة، فضلًا عن مساعدة العثمانيين على توطيد دعائم حکمهم، ومحاربة بقايا الإدارة الحفصية والزيانية لاحقًا، وقد شکَّل منهم الحُکّام حاميات استعانوا بها على حراسة أغلب المدن التي أخضعوها. 4-       الجهاد البحري: شارک هؤلاء المُقاتِلون ضمن الأسطول الجزائري، وعملوا على تدعيم حرکة الجهاد البحري، وأقضّوا مضاجع الإسبان؛ لمعرفتهم بالسواحل الإسبانية وثغراتها، وکذا إتقانهم اللغة الإسبانية. وکان هدف ذلک إنقاذ إخوانهم العالقين هناک تحت رحمة محاکم التفتيش، أو تقديم المساعدة لهم في ثوراتهم المُناهِضة لحُکْم الإسبان، أو الانتقام من جلّاديهم نتيجة سوء المعاملة التي تلقّوها على أيديهم، بما في ذلک: التعذيب، والنفي، والتنصير، وسلب الممتلکات.