وقع هذا البحث المعنون ب "جبلاوي "أولاد حارتنا" بين الراوي العليم والموروث العقائدي " في مقدمة، وتمهيد، ومبحث أساسي هو شخصية الجبلاوي بين استلهام الروائي للموروث العقائدي المعروف، وابتداع مادة خام من فکر الراوي وأيديولوجيته، وقد اتخذ منه محفوظ قناعا له بغيه توجيه مسار القيم في بلاده إلى وجهة يرضاها.
فبينتُ في المقدمة الأسباب التي دفعتني إلى کتابة هذا البحث ؛ وهو أنني أعدت قراءة أولاد حارتنا بعد حين من القراءة الأولى فثارت أسئلة نقدية جديدة فالتمست الإجابة عنها في کتابات العديد من النقاد، فلم أهتد إلى أنهم اجتمعوا على کلمة سواء، بل بدت آراؤهم شديدة التناقض في معظمها رغم رجوعهم إلى مناهج نقدية معيارية.
واستکمالا للجانب المعلوماتي فقد اهتممت في التمهيد بعرض بعض المعلومات الضرورية عن الرواية، وعرض لبعض جوانب الحرکة النقدية حول هذا العمل المثير للجدل.
وبالرغم من اتفاق النقاد حول استلهام نجيب محفوظ لسير الأنبياء فإنهم اختلفوا اختلافا شديدا حول ماهية الجبلاوي ؛ وهي الشخصية التي لم يُفرد لها بحث مستقل في حدود علمي فوجهت اهتمامي لبحث الشخصية في إطار من المرجعية التراثية التي استلهمها محفوظ، وفي ضوء تقنية قصصية نقدية هي تقنية الراوي العليم.
فجاء القسم الثالث والرئيس من البحث ليبحث في شخصية الجبلاوي بين الموروث العقائدي، والراوي العليم، وقد استلهم نجيب محفوظ الموروث العقائدي في رسمه لشخصية الجبلاوي ملامح تدنو به من التطابق مع ذلک الموروث منها:
- اسم الجبلاوي
- صفاته من عدل، ورحمة، ومحبة، وعمر طويل جدا، وتفرده عن جميع الخلق، وقوة، وجبروت.
- مهمته العظمى في تکليف الرسل والأنبياء.
أما تقنية الراوي العليم الذي اتخذ منه نجيب محفوظ قناعا له ؛ فإن البحث يبين أن الراوي أعمل منظوره الخاص فخرج عن مسار حياة الأنبياء مبتدعا مادة جديدة من فکره وأيديولوجيته؛ ليعيد بناء منظومة القيم في مجتمعه، ذلک المجتمع الذي اهتم کثيرا بأن يرصد ملامحه، ويبين عوراته في کثير من أعماله، وخصوصا تلک التي تتصل بمرحلته الواقعية.
وهذا الراوي العليم أظهر للقارئ شخصية الجبلاوي من منظور يخالف منظور الموروث العقائدي فبين أنه شخصية:
- قاطع طريق، وشاذ من شذاذ الآفاق.
- سلبية
- ضعيفة
- لاوجود لها ولاتحقق في کثير من الأحيان.
وبتأمل ملامح شخصية الجبلاوي بين الموروث العقائدي والراوي العليم تبين لي أن الروائي وقد تقنع بشخصية الراوي العليم أظهرمن خلال منظوره الخاص: أن الدين لم يفلح في هداية البشرية، وأن العلم کذلک ممثلا في " عرفة " لم يجلب للبشرية سوى الخراب والدمار، وأنه على البشرية أن تبحث عن خلاصها في طريق ثالث: ترى هل هو التعادل بين العلم والدين ؟ أم نبذ کلا الطريقين وارتياد أفق جديد قد يظهره باحث جديد في بحث جديد ؟