تسعى هذه الدراسة الى تسليط الضوء على احدى ابرز نماذج التحولات الديمقراطية في آسيا الوسطى  والمتمثلة في جمهورية قيرغيزستان. وتکمن أهمية الحالة القيرغيزية بأنها من أوائل الجمهوريات المستقلة التي راهنت على الخيار الديمقراطي وکانت هدفا للمعونات الغربية الداعمة لتلک التحولات. ولکن بعد مرور ما يقرب الثلاثين عاما على عملية الإنتقال الديمقراطي في قيرغيزستان، لا يزال يواجه المجتمع القيرغيزي العديد من التحديات السياسية. لذلک يطرح هذا البحث سؤالا رئيسيا يتمثل في: ماهي أبرز التحديات التي تواجه التحولات الديمقراطية في جمهورية قيرغيزستان؟ وکيف ستؤثر على مستقبل وشکل النظام السياسي القيرغيزي؟ من خلال الإستعانة بالمنهج البنيوي الوظيفي الذي يرکز على دراسة البنى المجتمعية ووظائفها، تنهض هذه الدراسة على مقولة ان هناک العديد من العوامل البنيوية الداخلية والخارجية التي تؤثر في مصير التحولات الديمقراطية في قيرغيزستان واهمها التأرجح مابين النظامين الرئاسي والبرلماني، العنف السياسي، صراع النخب السياسية، الفساد والجريمة المنظمة، العامل الإقتصادي، النزاعات الإثنية، بالإضافة الى تدخل القوى الدولية واهمها الولايات المتحدة الأمريکية وروسيا والصين. فقد تعاظمت الأهمية الجيوسياسية لقيرغيزستان لاسيما في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر حيث سعت الولايات المتحدة الى انشاء قاعدة عبور عسکرية لعملياتها بإتجاه افغانستان، وکان ذلک مدعاة لصراع النفوذ الأمريکي الروسي في قيرغيزستان. وعلى أثر تصاعد ذلک الصراع الدولي ارغمت الإدارة الأمريکية على اغلاق القاعدة بشکل نهائي في عام 2015. کما تنامى الدور الصيني في قيرغيزستان من خلال البوابة الإقتصادية التي اطلقتها الصين عبر مشروعها الإقتصادي العالمي الذي يعرف بإسم "الحزام والطريق." وبالرغم من ثراء قيرغيزستان في الثروات الطبيعية لاسيما الذهب والمعادن، الا انها تواجه تحديات اقتصادية کبيرة على اثر سياسة الديون التي تتبعها الصين في بناء مشاريعها الإستثمارية في الدول الواقعة على طريق الحرير. مما يتطلب  جهود في التعاون الإقليمي والدولي لتمکين قيرغيزستان من تجاوز تلک التحديات وانتشالها من ان تتحول الى بؤرة لتصدير الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة. وبذلک تصل هذه الدراسة الى الإستنتاج الذي يؤکد ان معالجة تلک الإختلالات الهيکلية سوف يساهم في تعزيز المسار الديمقراطي ومحاربة اية انحرافات في العملية السياسية وذلک من خلال تعزيز التعاون الإقتصادي وحکم القانون والتنسيق الإقليمي وهي خطوات هامة في طريق تحقيق الإستقرار السياسي في جمهورية قيرغيزستان.